تتوجه أنظار العالم هذه الأيام إلى النيجر، جراء الانقلاب العسكري المدعوم شعبيا، والمرفوض من قبل فرنسا، والتي تحركت بقوة لاستخدام منظمة ” الإيكواس ” للتحضير لتدخل عسكري، موازاة مع رفض كل من بوركينافاسو ومالي لهذا التدخل واعتباره ” إعلان حرب “.
وأعلنت أمس النيجر عن إغلاق مجالها الجوي لمواجهة مخاطر أي تدخل عسكري محتمل من جيرانها ” وحتى إشعار آخر “، وشدد المجلس العسكري أن ” أي محاولة لانتهاك المجال الجوي” سوف تؤدي إلى “استجابة قوية وفورية”.
وكشف المجلس أن ” دولة أجنبية عظمى بالتعاون مع الإيكواس والمنظمات الإرهابية تستعد للهجوم على النيجر.”
وجاء قرار المجلس العسكري عقب انتهاء المهلة التي حددها كبار مسؤولي الدفاع في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ” إكواس ” يوم أمس، باللجوء إلى الخيار العسكري، في وقت فرضت فيه فرنسا يوم أمس مساعداتها التنموية والداعمة الميزانية المخصصة لبوركينافاسو، عقب إعلانها مع مالي أن أي تدخل عسكري بالنيجر بمثابة ” إعلان حرب “.
وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها يوم السبت عقب لقاء جمع الوزيرة كاترين كولونا مع رئيس وزراء النيجر أومودو محمدو في باريس: ” تدعم فرنسا بقوة وإصرار جهود إيكواس لإحباط محاولة الانقلاب هذه”.، وتابعت “مستقبل النيجر واستقرار المنطقة كلها على المحك”.
وجاء التحرك الفرنسي عقب قرارات القيادة العسكرية الجديدة في النيجر رفض التواجد الفرنسي على أراضيها، ووقفها العمل باتفاقية التعاون العسكري والفني التي تعود للعام 1977 ومطالبها بخروج كل القوات الفرنسية خلال 30 يوما، مع وقف تصدير الذهب واليورانيوم نحو هذا البلد الاستعماري.
رئيس الجمهورية : نرفض التدخل العسكري في النيجر وجيشنا جاهز لحماية الحدود
شدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أول أمس في لقائه الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية أن أزمة النيجر تمثل ” تهديدا مباشرا للجزائر”، وجدد رفضه رفضا قاطعا لأي تدخل عسكري.
وأكد الرئيس عبد المجيد تبون أنّ أزمة النيجر “تُحل بالمنطق و ليس بالقوة”، معربا عن استعداد الجزائر للتدخل من أجل لمّ الشمل في البلد الجار الأفريقي و إطلاق الحوار، وتساءل في نفس الوقت “أين أصبحت كل الدول التي تم التدخل العسكري فيها؟”، وتابع ” أنّها لا تزال تُعاني من المشاكل والأزمات “.
وقال رئيس الجمهورية “الجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها أبدا “، لكنه بالمقابل أكد أن الجيش الجزائري قوي وهو في جاهزية عالية لمواجهة من يقترب من الحدود.
وتجمع الجزائر مع النيجر حدود تمتد لحوالي 1000 كم، حيث سخرت قيادة الجيش الوطني الشعبي وسائل جد متطورة وإمكانيات بشرية كبيرة للعمل على تأمين هذه الحدود، في ظل سعي بقايا التنظيمات الإرهابية إلى استغلال الأوضاع المضطربة في دول الساحل.
وقد أولت قيادة الجيش الوطني الشعبي اهتماما كبيرا لبلوغ الجاهزية التامة لمختلف الوحدات العسكرية تماشيا مع التحديات الجديدة، حيث أشرف الفريق أول السعيد شنڤريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي على متابعة تنفيذ تمارين تكتيكية بالذخيرة الحية خلال زياراته لمختلف النواحي العسكرية، مشددا في كل مرة على أهمية مثل هذه التمارين في تحقيق الجاهزية العالية.
وقال الفريق أول السعيد شنقريحة خلال زيارة عمل وتفتيش قادته يوم الاثنين 08 ماي الفارط إلى الناحية العسكرية الثالثة ببشار” إننا في الجيش الوطني الشعبي نظل على قناعة تامة أن التكيف مع التطورات المتسارعة، التي بات يشهدها العالم، يتطلب، أولا وقبل كل شيء، تقديس العمل الجاد والمتفاني، الذي نعتبره الوسيلة الفضلى، بل، المثلى لتحقيق النجاح، في أداء المهام الموكلة، وبلوغ المزيد من الجاهزية، والمزيد من التطور في كافة مناحي ومجالات المهنة العسكرية.“
وأضاف ” ولقد استطاع جيشنا، بفضل التوجيهات السديدة للسيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، أن يحقق، في وقت وجيز، إنجازات معتبرة، بفضل هذا النهج العملي القويم، الذي منحناه ما يستحقه من عناية ورعاية، من خلال توفير كافة موجبات النجاح، وتوفير كافة عوامل التحفيز والتشجيع للمستخدمين والإطارات، حتى يسود بينهم العمل الجاد، وتترسخ لديهم ثقافة المنافسة الشريفة، كل في مجال عمله ونطاق مسؤولياته“.
وأوضح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي “حرصنا دوما على المحافظة على الجاهزية العملياتية في أعلى مستوياتها، وعلى أن يتم التحضير والتدريب الجيد لقواتنا المسلحة بالطريقة المثلى والمرسومة، حتى تبقى على الدوام مالكة لمقاليد القدرة على الاضطلاع بمهامها، ومتكيفة باستمرار مع تطور الوضع الجيوسياسي وتعقد الرهانات، التي تشهدها المنطقة.“
وتابع الفريق أول السعيد شنقريحة ” وبفضل ذلك أصبح الجيش الوطني الشعبي جيشا محترفا، بكل ما تعنيه عبارة الاحتراف، من معاني ودلالات، جيشا محترفا في أدائه، ومحترفا في تفكيره، جيشا لا يهاب الصعاب ولا الخطوب، جيشا يملك كل مقومات القوة لردع وإفشال كافة المحاولات الخسيسة للمتآمرين الجبناء، التي تستهدف المساس بأمن واستقرار بلدنا المفدى“.
” الإيكواس ” منظمة إفريقية في خدمة مصالح الاستعمار الفرنسي
عادت مؤخرا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ” إيكواس ” إلى الواجهة مع تفاقم أزمة النيجر وتهديدها بالتدخل العسكري، فمن تكون هذه المجموعة ؟
في ماي عام 1975، انعقد اجتماع لوزراء الخارجية لعدة دول إفريقيا في منروفيا بعد جهود قادها كل من الرئيس النيجيري يعقوب كونْ، والتوغولي نياسينغبي أياديما عام 1972، حيث توجت بوضع آخر اللمسات على المعاهدة التي وقعت عليها 15 دولة، لتعلن عن ميلاد المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية (إيكواس).
وتضم إيكواس في عضويتها 15 دولة، وهي غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر، ويبلغ مجموع سكانها نحو 350 مليون نسمة حسب إحصاءات 2021، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا، وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو فيها لكنها انسحبت منها عام 2001.
ورغم أن الهدف من إنشاء هذه المنظمة كان تحقيق تكامل اقتصادي بين هذه الدول وتعزيز التبادلات التجارية، بما ينعكس على تطوير الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية، إلا أن أهدافها سرعان مع أخذت مسارا جديدا، مع تحرك عدد من الدول الإفريقية لإنهاء وصاية الاستدمار الفرنسي، حيث تحولت هذه المنظمة إلى أداة في يد فرنسا والاتحاد الأوروبي والقوى الامبريالية للمحافظة على فرض سيطرتها على ثروات الدول الإفريقية.
وتحركت إيكواس بأوامر فرنسية لفرض عقوبات على كل من مالي وبوركينافاسو، بحجة الانقلاب إلا أن المتتبعين للمشهد الإفريقي، يؤكدون أن هذه العقوبات كانت بسبب تعيين حكومات بالبلدين مناهضة للتوجهات الفرنسية والغربية، حيث قررت القيادات الجديدة قطع أي صلة مع الاحتلال القديم الذي سيطر على خيرات بلديهما لسنوات طويلة.
وقد أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي بقيادة العقيد أسيمي قويتي الذي قاد انقلابا بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية في 18 أوت 2020 أن فرنسا لم يعد لها ” أساس قانوني ” لتنفيذ عمليات عسكرية في أراضي بلاده، عقب انسحاب باماكو من اتفاقيات الدفاع الرئيسية وسط احتجاجات عارمة للمواطنين الرافضين للوجود الفرنسي في بلدانهم.
وسارعت منظمة إيكواس لاتخاذ عقوبات جد قاسية ضد الشعب المالي، تنفيذا لأوامر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما اتخذت عقوبات مماثلة ضد بوركينافاسو، عقب إعلانها عن توقف العمل رسميا ” باتفاق المساعدة العسكرية ” الذي يعود للعام 1961 مع فرنسا، حيث دعم المواطنون الانقلاب العسكري بالبلاد مطالبين بقطع أي علاقة مع الاستعمار الفرنسي القديم.
وتراهن فرنسا على منظمة ” الإيكواس ” لوضع حد لاستمرار موجة التحرر من الاستعمار القديم بعدد من الدول الإفريقية، والتي تخوض معارك جديدة للتخلص نهائيا من النفوذ الفرنسي، الذي يرى فيه هؤلاء سبب تخلف وفقر إفريقيا، الأمر الذي عجل بإعلان ” الإيكواس ” عن تبني عقوبات صارمة ضد النيجر، عقب قرارها بوقف صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، مع العلم وأن النيجر تعد رابع دولة منتجة لليورانيوم في العالم.
أخبار دزاير : عبد القادر. ب