في الثاني والعشرين (22) من شهر جويلية لكل سنة تحتفي الشرطة الجزائرية بعيدها الوطني وهو اليوم الذي يتزامن وتاريخ إنشاء الجهاز الشرطي الجزائري بمرسوم 22 جويلية 1962 مقترنا أيضا بتسليم المهام بين مسؤول الأمن على مستوى جبهة التحرير الوطني “عبد القادر حصار” وبين أول مدير عام للأمن الوطني “مجاد محمد” عام 1962، في رحلة بعمر واحد وستين (61) سنة عرفت فيها هذه المؤسسة السيادية مسايرة أحداث حافلة بالمكتسبات وعلى مواجهة التحديات كنظرائها من أجهزة الدولة الجزائرية الأمنية والتنموية، وفي كل مرحلة واكبت الشرطة الجزائرية مقتضيات الفترة ومتطلباتها بكل حنكة وصلابة وجَلد مما جعلها تتبوأ مراتب محترمة يشهد لها على الصعيد الإقليمي والدولي…

“الشرطة الجزائرية: رحلة 61 سنة شُموخ كقلاع مُتحدية كل الظروف وفي استلهام الدور العظيم والمكانة الخالدة على خطى رجال شعلة أوّل نوفمبر 1954”
بعد مرور 61 سنة من رحلة هذا الجهاز الأمني، يدرك المتابع للشأن الأمني الجزائري جيدا ما حققه من خطوات هامة من خلال تتعدّد مهامها بين حماية السيادة ووحدة التراب والذود عن سلامة المجالات الحيّة والرقمية للوطن من كل محاولات عدائية داخل وعابرة للحدود، وعلى ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، وفي الحفاظ واسترجاع الأمن العمومي في تعدد وجوهه، إلى المساهمة في عمليات أمن الدولة الواسعة، على الرغم من أن الجهاز الشرطي يشهد حملات عدائية شرسة ومُمنهجة من جبهات عدائية فردية ومؤسساتية من خارج المجال السيادي للجزائر، بعد أن واجه خلال سنوات العشرية على غرار مختلف الأسلاك الأمنية والدفاعية صعوبات وتضحيات وأحداث مؤلمة من قتل واغتيالات واعتداءات همجية على أفراده، ومع ذلك لم يستكن وظلّ شامخا كقلاع متحديا كل الظروف ومستلهما الدور العظيم والمكانة الخالدة على خطى رجال شعلة أوّل نوفمبر 1954، أولائك الذين بذلوا الغالي والنفيس والوقت والجهد والروح فداءً لصون حرمة وحرية الجزائر.
لقد بقيت الشرطة الجزائري عاكفة على الالتزام بالرباط في حماية الوطن وقطع أشواط مهمة في مكافحة الإرهاب والجريمة بشتّى أنواعها التي انعكست إيجابيا على النتائج المحققة وفق عتبات الأمن الأمثل المتفق عليه عالميا، في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وضمن أطر تعزيز التعاون و توثيق آليات تبادل المعلومات والاتصال بين أجهزة الشرطة الإقليمية والدولية، وما يقدم من مقاييس في المدرسة الشرطية الجزائرية الجامعة بين التفكير العلمي الأكاديمي وبين التجربة الميدانية، وفي ذلك ضمن ما اتخذته من استراتيجية خاصة بها من أجل تحقيق مشروع الاحترافية والعمل على تطوير الأمن الوطني تماشياً والمتطلبات المتغيرات الدولية النابعة من روح العصر الذي نعيش فيه إما تأثيرا فيه أو مؤثرين فيه.

الأستاذ الدكتور حكيم غريب: ” لا يمكن أن ننسى تلك العناية التي يوليها رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” وحرصه على التكفل المتواصل بالانشغالات المهنية والاجتماعية لمنتسبي سلك الشرطة، ولا يمكن التغافل لحظة على كل ما قدمته هذه المؤسسة الأمنية طيلة سنوات من تضحيات جسام لتظلّ الجزائر دولة شامخة مُهابة في المنابر الدولية”
ولتقييم الدور الحالي لمديرية الأمن الوطني الجزائري كقيادة للسلك الشرطي، يرى الخبير الأمني والاستراتيجي الأستاذ الدكتور “حكيم غريب” على أنّه لا يختلف اثنان لما بلغته الشرطة الجزائرية من التطور والاحترافية، مما يؤهّلها لأداء مهامها على أكمل وجه حفاظا على أمن المواطن وصون ممتلكاته، معتبرا أن بلوغ هذا المستوى يعد ثمرة جهود كبيرة بذلت على أكثر من صعيد في إطار نظرة متبصرة قوامها الاحترافية والفاعلية في الأداء ويعززها الدعم القوي للسلطات العمومية للمؤسسة الأمنية ناهيك عن العناية التي يوليها رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” وحرصه على التكفل المتواصل بالانشغالات المهنية والاجتماعية لمنتسبي سلك الشرطة، ولا ننسى وذكر في هذا الإطار بكل ما قدمته هذه المؤسسة الأمنية طيلة سنوات من تضحيات جسام لتظلّ الجزائر دولة شامخة مهابة في المنابر الدولية، الذين ما زالوا حاملين لواء العزيمة والتضحية ويحققون المزيد من النتائج الايجابية المتميزة في خدمة أمن المواطن ومحاربة الجريمة بكل أشكالها، مدعومين في ذلك باليقظة الدائمة والتسلح العلمي والأخلاقي…
وفي هذا السياق، ذكّر الأستاذ الدكتور حكيم غريب بالاستثمار الكبير الذي قامت به المؤسسة الشرطية في العنصر البشري، من خلال حسن إعداده وتكوينه وتوفير كل الشروط اللازمة للتحكم في التقنيات والمعدات الحديثة الكفيلة بالحفاظ على النظام العام والتصدي للجريمة بكل أشكالها، مذكرا في هذا الإطار بالاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية لهذا الجهاز الأمني لتطويره وتحسينه وعصرنته حتى يتمكن من الحفاظ على النظام العام وسلامة وأمن المواطنين ومواجهة جميع التحديات الراهنة التي تواجهها البلاد، ويدعمه في ذلك الإصرار والسهر الدائم لقيادات الجهاز الشرطي الرشيدة على الالتزام بذلك بهدف تحقيق تلك المقاصد.

الأستاذ الدكتور حكيم غريب: ” من الضرورة تكيّف المؤسسة الشرطية مع متطلبات الواقع الرقمي الحالي بعد ما أضحت حتمية تفرضها الأوضاع الجديدة، وذلك ضمن المقاربة الإعلامية الأمنية المعاصرة”
ونظرا لارتباطات الأمن الوطني للدول عموما بواقع الفضاءات الجيوسياسية المجاورة لها وهو ما يمكن إسقاطه على الأمن الوطني الجزائري، يقول الدكتور حكيم غريب أن الجزائر وجدت نفسها في مواجهة تهديدات من نوع جديد إضافة للتهديدات الكلاسيكية والتي لا ترتبط بتهديدات عسكرية من دولة أخرى وإنَّما بتهديدات لا تماثلية من كيانات من غير الدول، ومع ذلك تؤدي المديرية العامة للأمن الوطني دورا كبيرا وفق الصلاحيات والدور الموكل لها دستوريا وتشريعيا، حيث تسهر على أداء مهامها “الإنسانية والأمنية” في اطار احترام القانون ومبادئ حقوق الإنسان، كما تعمل على مواكبة التحديات الراهنة والمستقبلية في مقدمتها مواجهة التحدي الرقمي والرد على الحرب الالكترونية التي تستهدف الوطن ومؤسساته، فمن الضرورة تكيف هذه المؤسسة مع متطلبات الواقع الرقمي الحالي بعد ما أضحت حتمية تفرضها الأوضاع الجديدة، وذلك ضمن المقاربة الإعلامية الأمنية المعاصرة التي تلعب فيها الرسائل الإعلامية الاتصالية دورا هاما في التوعية الأمنية، هذه المقاربة تعتمد في اعتماد التواصل من قبل الشرطة الجزائرية ،حيث تعتبر خلية الإعلام والاتصال بالمديرية العامة للأمن الوطني لسان حال هذا الجهاز الأمني والمصدر الرسمي للمعلومات والأخبار، إذ تطلع بمهمة ربط المؤسسة بمحيطها الاجتماعي، بهدف نشر الوعي الأمني للوقاية من مخاطر الجريمة المنظمة والمخاطر الإرهابية، والتغطيات الإعلامية للنشاطات الأمنية للمؤسسة مما يعطي الثقة للمواطن ويدعم الاستقرار المعنوي المجتمعي، وهو ما لمسناه من خلال نشاطات خلية الإعلام والاتصال لمديرية الأمن بفروعها على مستوى ولايات الوطن.
ويضيف الخبير الأمني حكيم غريب أنّه من أجل تحقيق هذه الأهداف تستخدم المديرية العامة للأمن الوطني استراتيجية اتصالية قوامها مسايرة التطور التكنولوجي في مجالات تكنولوجيات الإعلام والاتصال في جميع المجالات الإعلام المكتوب والمرئي والرقمي بالإضافة إلى تنظيم أيام إعلامية تعريفية بمهام الجهاز تتضمن معارض وصور، زيادة على ذلك تقوم الشرطة الجزائرية بنشاطات جوارية بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني.
الأستاذ الدكتور حكيم غريب: ” وجوب تعبئة الرأي العام الجزائري العام لخلق حالة من التأييد المجتمعي لجهود أجهزة الدولة لمواجهة الأعمال التخريبية التي تمس بالأمن السيبرياني”

يؤكد خبراء الجرائم الالكترونية على أنّ الأمن السبرياني والجرائم السبرانية يشترك في استغلالهما التطور التكنولوجي كل في منحاه، وحول هذه النقطة يؤكد الدكتور “حكيم غريب” أهمية دور الإعلام الأمني كإحدى الوسائل الداعمة للجهود الرسمية في مكافحة هذا النوع من الجرائم لتحقيق مبدأ الأمن السيبرياني، موضحا أن الإعلام الأمني يساهم في تحقيق الأمن السيبرياني من خلال العمل على التأثير الإعلامي في الجمهور وتعبئة الرأي العام الجزائري العام لخلق حالة من التأييد المجتمعي لجهود أجهزة الدولة لمواجهة الأعمال التخريبية التي تمس بالأمن السيبرياني.
وشدد الخبير الأمني على ضرورة تعزيز القيم الاجتماعية كمنطلق مكافحة الجرائم السيبريانية وذلك بنشر ثقافة المواطنة والانتماء إلى المجتمع، وكذا التعريف بماهية الجرائم السبريانية حتى يتسنى لأفراد المجتمع الجزائري التمييز بينها وبين الجرائم العادية، بالإضافة إلى إطلاق حملات تعريفية بالمخاطر المترتبة عن الجريمة السيبريانية على الفرد والمجتمع، مشيرا إلى أنّ الشرطة الجزائرية أدركت منذ أكثر من عقد حجم التحديات التي يولدها الفضاء السيبرياني، فقامت بوضع استراتيجية متكاملة لعصرنة وتطوير هياكلها.
وحول الهجمات العدائية الممنهجة التي تطال جهاز رجالات المؤسسة الأمنية في صورة مديرية الأمن الوطني وإطاراتها، يذكر الأستاذ الدكتور حكيم غريب أنّه لا يجب إغفال مجهودات الأجهزة الأمنية الجزائرية خاصة الشرطة التي لا تقتصر مهامها على الجانب الردعي أو مكافحة مختلف الجرائم فقط بل تسعى أيضا إلى تجفيف منابع الجريمة من خلال تحصين المجتمع الجزائري من كل التهديدات لاسيما الأخطار الفكرية التي يمكن أن تكون مصدرا للإرهاب والتطرف في ظل سطوة وسائل الاتصال الحديثة وتأثيراتها على المجتمع.
أما الهجمات العدائية الممنهجة التي تطال جهاز رجالات المؤسسة الأمنية في صورة مديرية الأمن الوطني وإطاراتها من خلال نشر و ترويج الاخبار المغلوطة (فيك نيوز) عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقد باتت مثل هذه الأخبار تشكل خطورة على استقرار المجتمع، لأنها تنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي دون التأكد من مصدرها بهدف الدعاية والربح السريع، دون احترام لأخلاقيات المهنة خاصة بعد النتائج الممتازة التي حققتها الشرطة الجزائرية في مكافحة الجريمة المنظمة و إسقاط العديد من بارونات الفساد والمخدرات مما يجعلهم يشنون حملات فاشلة عن عملائهم في الخارج لضرب جهاز الامن الوطني من الداخل، ولكن الشعب الجزائري جد يقظ لمثل هذه المخططات الدنيئة والممولو من بعض الدول والكيانات التي يقلقها العمل الاحترافي الذي تقوم به الشرطة الجزائرية ضد مصالحهم في الجزائر وفي المجال الإقليمي الذي يحيط بها.
الأستاذ الدكتور حكيم غريب: ” ضرورة إرساء استراتيجية إعلامية أمنية تتكامل في جوهرها مع المنظومة الإعلامية الوطنية بالاستغلال الأمثل لمختلف قنوات الاتصال الرقمية لضمان أقصى درجات اليقظة والضبط الاجتماعي الهجمات العدائية التي تطال الجهاز الشرطي”
و كخبير في المجال الأمني يؤكد الأستاذ الدكتور حكيم غريب أنه من الضرورة مواجهة مثل هذه الظاهرة في ظلّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب جهود كل الفاعلين في الميدان إلى جانب التحلي بالحذر واليقظة والتواصل مع المجتمع، وذلك بوضع مصلحة مركزية للتصدي لكل جرائم الاتصال والإعلام والاهتمام بتكوين العنصر البشري إلى جانب إقامة علاقات تعاون وشراكة مع كل من منظمات وأنتربول وأروبول لتبادل المعلومات والتنسيق الأمني… مشيرا في نفس السياق إلى أهمية الإعلام الأمني في الوقاية من هذه الحملات من خلال تجسيد مقاربة أمنية تشرك المواطن وتسعى إلى توعيته وبناء وعي أمني مجتمعي يقف حائلا أمام الأخطار الخارجية المحدقة بالبناء الاجتماعي، من خلال إرساء استراتيجية إعلامية أمنية تتكامل في جوهرها مع المنظومة الإعلامية الوطنية بالاستغلال الأمثل لمختلف قنوات الاتصال الرقمية لضمان أقصى درجات اليقظة والضبط الاجتماعي الهجمات العدائية التي تطال الجهاز الشرطي.
واختتم الخبير الأمني حكيم غريب حديثه ” أغتنم هذه الفرصة السعيدة عن بعد أيام عن العيد الوطني للشرطة الجزائرية المصادف لـ 22 جويلية، أن أهنئ رجال الأمن الوطني جميعا مع ضرورة تحمّل فريضة الواجب مهما كانت جسيمة، تقديري للعمل الدؤوب وروح المسؤولية التي يتحلى بها رجال الأمن الوطني أثناء أداء مهامهم للحفاظ على أمن الوطن والمواطن”، واصفا هذا العيد “بمثابة عرفان الوطن بتضحيات رجال ونساء هذا الجهاز العتيد من الذين أدوا واجبهم بكل صدق وتفان في سبيل أمن المواطن وحماية ممتلكاته، وهي التضحيات التي يحق لمواطنينا أن يفتخروا بها اليوم خاصة أنها تمثل لشبابنا أسمى نماذج الفداء والوطنية.”
أخبار دزاير : بوبكر سكيني