تتواصل انتصارات الدبلوماسية الجزائرية قاريا، إقليميا ودوليا، حيث نجحت مؤخرا وبمبادرة منها في إقرار مبدأ المساواة في الاطلاع على وثائق مجلس الأمن لكل أعضائه دون تمييز، بعد مشاورات امتدت لأزيد من 06 أشهر.
وجاءت مبادرة الجزائر عقب اكتشاف غريب بعد وقت قصير من ولايتها بمجلس الأمن، حيث تبين أن الأعضاء المنتخبون لمجلس الأمن لم يكن بإمكانهم الاطلاع على كل الوثائق والأرشيف المرتبط بعمل المجلس، واقتصر الأمر على الأعضاء الدائمين.
وانطلاقا من قناعة الدبلوماسية الجزائرية أن هذا التمييز بين الأعضاء الدائمين والمنتخبين لا يحتكم إلى إطار قانوني أو تنظيمي بل يعتمد على رغبة بعض الأعضاء الدائمين في فرض النهج التمييزي، وهي الممارسة التي لم يتجرأ أعضاء مجلس الأمن على التساؤل حولها.
ووضعت الجزائر خطة محكمة بناء على هذه المعطيات لتسليط الضوء على هذا الفراغ القانوني، ورفع هذا التمييز بين الأعضاء الدائمين والمنتخبين للمجلس، إذ أجرت البعثة الدائمة للجزائر بنيويورك مشاورات حثيثة، بدأتها مع أعضاء مجموعة A3+، الذين عبروا عن مساندتهم لمسعى الجزائر، لتتوسع بعدها المشاورات إلى كافة الأعضاء المنتخبين للمجلس، رغم العراقيل التي واجهتها من قبل بعض الأعضاء الدائمين والذين اعتبروا وثائق وملفات المجلس أنها تتوفر على “حماية حصرية ” لا يسمح لغير الأعضاء الدائمين بالولوج إليها، بل وشد هؤلاء على ضرورة الحصول على موافقة مسبقة!
وأمام هذا الوضع، واصلت الدبلوماسية الجزائرية نشاطها بالدفاع بقوة عن مبادرتها، والتي تم دعمها لاحقا بالأعضاء المنتخبين، من خلال مناورات قانونية وإجرائية بهدف إعداد ملف قصد طرحه خلال المفاوضات.
وعملت الجزائر على تسجيل هذه النقطة في العديد من الاجتماعات المغلقة واللقاءات غير الرسمية للممثلين الدائمين لأعضاء مجلس الأمن، و إدراج هذه القضية في أشغال الفريق العامل غير الرسمي لمجلس الأمن المعني بالوثائق والمسائل الإجرائية الأخرى، والذي يترأسه اليابان.
ونجحت الدبلوماسية الجزائرية بعد جهود كبيرة عبر اتباع نهج محكم التخطيط و بكل هدوء وتقديم حجج قانونية دامغة وبعد مفاوضات دامت أكثر من 6 أشهر، ليسمى هذا الإنجاز بـ “المبادرة الجزائرية لتقنين التعامل و الاطلاع على وثائق عمل مجلس الأمن.”
واعتمد المجلس مذكرة الرئيس تعدل المذكرة رقم 507 الشهيرة لسنة 2017، التي تنظم أشغاله، حيث تضمنت هذه الوثيقة المعتمدة في القسمين السادس (التعاون والتشاور داخل المجلس) والثالث عشر (الأعضاء المنتخبون الجدد) إقرارا صريحا من طرف أعضاء المجلس بحق جميع أعضاء مجلس الأمن، دون تمييز، في الاطلاع الكامل على وثائق المجلس ذات الصلة بالمسائل محل الدراسة، مع تحديد دقيق للإجراءات المتعلقة بطلبات الاطلاع على بعض الوثائق.
وتجلى هذا الانتصار النوعي من خلال إدراج الفقرات الجديدة من مذكرة الرئيس رقم S/2024/507، بالإضافة إلى تعديلات جوهرية تخص أساليب عمل المجلس خصوصا ما يتعلق بالأعضاء المنتخبين.
واعتبر المتتبعون أن هذا الإنجاز قضى على “أبارتايد الوثائق” ضمن سلسلة النجاحات التي حققتها الدبلوماسية الجزائرية خلال العام الأول من ولايتها بمجلس الأمن، حيث تعود شهرة مذكرة الرئيس 507 إلى كونها الوثيقة الرسمية الوحيدة لمجلس الأمن التي تتضمن كافة المسائل الإجرائية التي اعتمدت منذ إنشائه، والتي تشرح وتكمل القواعد الإجرائية المؤقتة التي وضعها أعضاؤه منذ 1946 و تقنن منهجية العمل بين أعضاء المجلس.
عبد القادر. ب