شهدت فرنسا اليوم سلسلة من الاحتجاجات الواسعة في مختلف أنحاء البلاد بمناسبة “عيد العمال”، حيث شارك مئات الآلاف من المتظاهرين في مسيرات سلمية، مطالبين بتحسين ظروف العمل وتعزيز الحقوق الاجتماعية، كما عبروا عن تنديدهم بخطاب الكراهية الذي يتبناه وزير الداخلية برونو روتايو ضد المسلمين والعرب، حيث واجه الأمن الفرنسي المتظاهرين بقوة وقمع وفضل التعامل بالعنف رغم أن المسيرات كانت سلمية.
وتجمع المتظاهرون في باريس وبقية المدن الفرنسية استجابة لدعوة النقابات العمالية، وعلى رأسها الكونفدرالية العامة للعمل (CGT)، التي قدرت عدد المشاركين بحوالي 300 ألف شخص، في حين أشار تقرير وزارة الداخلية إلى أن العدد الإجمالي بلغ 157 ألف متظاهر.
وتراوحت المطالب بين إلغاء الإصلاحات التي طالت نظام التقاعد وبين تعزيز حقوق العمال في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة ورفض انتشار خطاب الكراهية، حيث كانت العاصمة باريس، التي شهدت مشاركة كبيرة، مركزًا رئيسيًا للاحتجاجات، حيث قدر عدد المشاركين فيها بحوالي 32 ألف شخص.
على الرغم من الطابع السلمي الذي ساد معظم المسيرات، فإن الاحتجاجات شهدت في بعض المواقع تعاملًا عنيفًا من قبل قوات مكافحة الشغب. ففي باريس، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشود.
ولم تقتصر هذه التصرفات على باريس فقط، بل امتدت إلى مدن أخرى مثل نانت، حيث استخدمت الشرطة أيضًا الأساليب نفسها لتفريق المتظاهرين، مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المحتجين.
ودفع هذا التصعيد الأمني العديد من السياسيين والنقابيين إلى إدانة العنف المفرط من قبل قوات الأمن، معتبرين أنه كان غير مبرر في ظل الطابع السلمي للاحتجاجات. وبالنهاية، تم اعتقال 72 شخصا في باريس، منهم 52 تم احتجازهم بتهم تتعلق بالعنف أو التخريب، ما أضاف مزيدا من الاحتقان إلى المشهد العام.
ويبدو أن الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا لم تكن مجرد تعبير عن رفض لقوانين العمل الجديدة والكراهية فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة مظهر آخر من مظاهر الاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد.
واعتبرت النقابات العمالية، التي ضمت إلى جانب CGT اتحادات مثل “Solidaires” و”FSU”، أن الإصلاحات الأخيرة تتعارض مع حقوق العمال وتهدد استقرار الطبقة العاملة. من جهة أخرى، دعت الحكومة إلى ضرورة ضمان النظام الاجتماعي دون المساس بمستقبل الأجيال القادمة.
ورغم تورط وزير الداخلية، برونو ريتاليو في التعامل العنيف من قبل شرطته مع الاحتجاجات إلا أنه وصف الهجوم على أعضاء الحزب الاشتراكي بـ”غير المقبول”، مشيرًا إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الأعمال. بينما أدان أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، العنف الذي تعرض له أعضاؤه، مؤكدًا أن الحزب سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وتعكس احتجاجات اليوم في فرنسا حجم التوتر المتصاعد داخل الشارع الفرنسي، ليس فقط بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بل أيضًا نتيجة الخطاب السياسي المستفز الذي تتبناه بعض الأطراف، وفي مقدمتها اليمين المتطرف. فقد ساهم وزير الداخلية برونو روتايو، من خلال مواقفه وتصريحاته العنصرية تجاه المسلمين والعرب، في تأجيج الغضب الشعبي وزيادة حالة الاحتقان.
هذا الخطاب الإقصائي، الذي يحاول أن يختزل قضايا الأمن والتعايش في بعد هوياتي ضيق، لا يؤدي سوى إلى تقسيم المجتمع وتعميق الفجوة بين مكوناته. وفي ظل هذا المشهد المتأزم، يبدو أن الشارع الفرنسي لم يعد يرفض فقط السياسات الاجتماعية، بل أيضًا الخطاب الرسمي الذي يغذي الكراهية ويهدد السلم الاجتماعي في بلد يفترض أن يقوم على قيم الحرية والمساواة والتعدد.
عبد القادر. ب