تشهد المغرب موجة احتجاجات واسعة وغير مسبوقة تعكس تزايد الغضب الشعبي، إذ تجسدت فيما أصبح يُعرف بـ”ثورة الجياع”، حيث تتواصل الاحتجاجات في مختلف المدن، وعلى رأسها مراكش، رفضًا للأوضاع الاجتماعية المتدهورة وتفاقم الفساد ونهب المال العام.
ورفع المحتجون في احتجاجات مراكش شعارات تطالب بوقف تجويع الشعب المغربي ومحاسبة المفسدين، مؤكدين ضرورة حماية المبلغين عن الفساد. كما دعوا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، باعتبارها مرتكزات أساسية لدولة الحق والقانون.
وانطلقت هذه الاحتجاجات التي امتدت على مدن مغربية أخرى وسط استنفار أمني كبير على خلفية التدهور الحاد في القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، حيث تحولت إلى هزات احتجاجية واسعة وقوية قد تهدد استقرار النظام الحاكم، وسط تزايد الدعوات إلى التغيير الجذري وإسقاط النظام.
تصاعد الغضب الشعبي بعدة مدن مغربية ينذر بثورة وشيكة !
حملت المسيرات الحاشدة التي جابت شوارع مراكش، ومناطق الأخرى مطالب تتجاوز الأبعاد الاقتصادية، إذ رفع المتظاهرون شعارات قوية ضد سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، متهمين الحكومة بالعجز عن وضع حلول فعلية للأزمات التي تعصف بالبلاد. كما عرفت التظاهرات هتافات تطالب بوقف تجويع الشعب المغربي، ووضع حد لسياسة الإفقار الممنهج، إضافة إلى المطالبة بمحاسبة المسؤولين الفاسدين، فيما ذهب آخرون إلى المطالبة بإسقاط نظام الملك محمد السادس، الذي تسبب في تجويع الشعب المغربي.
استنفار أمني غير مسبوق دون جدوى
تعاملت السلطات المغربية مع هذه الاحتجاجات باستنفار أمني مكثف، إلا أنها لم تنجح في احتواء الغضب الشعبي، بل زاد القمع من اتساع دائرة السخط.
وعلى الرغم من محاولة فرض طوق أمني على مراكز الاحتجاج، إلا أن الحراك الشعبي استمر في التصاعد، ما يعكس فقدان الحكومة السيطرة على الشارع، خصوصًا مع انضمام شرائح جديدة من المجتمع، بينها الفئات المتوسطة والفقيرة، حيث تشير المعطيات إلى أن الأرقام المعلن عنها من طرف وسائل الإعلام المغربية لا تعكس الوضع الحقيقي، رغم أن المندوبية السامية للتخطيط كشفت في تقرير لها عن ارتفاع معدل البطالة من 11.8% في عام 2022 إلى 13% في عام 2023، مع زيادة عدد العاطلين عن العمل من 1,442,000 إلى 1,580,000 شخص خلال نفس الفترة.
وفي عام 2024، استمر هذا الاتجاه التصاعدي، حيث بلغ معدل البطالة 13.3%، مع تسجيل 1.63 مليون عاطل عن العمل. أما بالنسبة لمعدلات الفقر، فقد أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن نسبة الفقر متعدد الأبعاد تراجعت من 40% في عام 2001 إلى 9.1% في عام 2014، ثم إلى 5.7% في عام 2022، وهي أرقام بعيدة كل البعد عن الواقع، أمام تفاقم الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد ومرض الملك محمد السادس الذي أثر هو الآخر على تسيير شؤون المملكة.
وتعترف المندوبية السامية للتخطيط مع ذلك أنه لا يزال حوالي 1.5 مليون مغربي يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعاني 5 ملايين آخرين من الهشاشة الاجتماعية.
هل تتجه الاحتجاجات إلى إسقاط المخزن؟
في ظل هذا التصعيد، يطرح العديد من المراقبين تساؤلات حول ما إذا كانت “ثورة الجياع” قد تشكل تهديدًا حقيقيًا للمخزن في المغرب. فالتاريخ يُظهر أن الانتفاضات الشعبية التي تبدأ بمطالب اجتماعية واقتصادية قد تتحول إلى مطالب سياسية، كما حدث في عدة دول عربية.
ومع غياب استجابة فعلية من طرف السلطة لمطالب المحتجين، واستمرار حالة الاحتقان، يبقى السيناريو مفتوحًا على احتمالات تصعيد أكبر، قد يؤدي إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
وحسب المراقبين، فإن مستقبل الحراك الشعبي في المغرب يبقى رهينًا بمدى قدرة النظام على تقديم حلول ملموسة للأزمة، أو استمرار سياسة التجاهل والقمع، والتي قد تدفع الشارع إلى تصعيد مطالبه نحو تغيير سياسي جذري، في مشهد قد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة عاشتها المنطقة خلال العقد الأخير.
محمد. ي