أثار الصحفي الفرنسي جان ميشال أباتي جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية بعد تصريحاته الجريئة حول الاستدمار الفرنسي للجزائر، والتي شبّه فيها الجرائم الاستعمارية الفرنسية بجرائم النازية، داعيًا إلى الاعتراف بالحقائق التاريخية والاعتذار عنها.
وجاءت تصريحات جان ميشال أباتي خلال أحد برامجه على راديو RTL الفرنسي، حيث أكد أن “فرنسا ارتكبت في الجزائر مجازر لا تقل فظاعة عما حدث في أورادور سور غلان” خلال الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى المذبحة التي ارتكبها النازيون عام 1944 ضد المدنيين الفرنسيين.
ولم يمر هذا الموقف الصريح دون عواقب، جراء تحرك اليمين الفرنسي المتطرف، حيث قررت إدارة RTL في 5 مارس 2025 إبعاده مؤقتا عن الأثير، ما أثار موجة من التفاعل في الأوساط الإعلامية والحقوقية، اتسمت برفض هذه الممارسات غير الديمقراطية والتي كشفت عن الوجه القبيح لفرنسا.
وقد أعلن الصحافي الفرنسي المخضرمجان ميشيل أباتي أمس، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام أنه لن يعود إلى راديو RTL، الذي يعمل معه كمحلل سياسي ضمن أحد البرامج، مؤكدا أنه لم يرتكب أي خطأ في تعليقاته على الهواء، حين شبّه أعمالاً ارتكبتها فرنسا في الجزائر، إبان الاستعمار، ببعض الجرائم النازية.
وعلق في منشور له مؤخرا “لقد أرعبني ما قرأته في الكتب التي كتبها مؤرخون دقيقون. استمرّت المجازر ضد المسلمين طيلة 132 عاماً من الاحتلال، وقد أدى ما يسمى بالوضع الأصلي، الذي تم تطبيقه منذ عام 1881، إلى حرمان السكان الأوائل للمنطقة من جميع الحقوق وفرضت عليهم عبوديات قديمة وغير عادلة. لقد طُردوا من أغنى الأراضي، وعاشوا في فقر مدقع. كان تعليم الأطفال ضئيلاً، كل هذا يرسم صورة غير لائقة لفرنسا في ظل القيم الإنسانية التي صنعت سمعتها في جميع أنحاء العالم”
وأضاف الصحافي: “لقد عانيت من الظلم المستمر بسبب عدم الاعتراف الرسمي من قبل المستعمر بالمعاملة المهينة التي تعرض لها هذا السكان.. إن التعليقات التي أدليت بها حول هذا الموضوع منذ سنوات مرتبطة بهذا الشعور، ولهذا السبب وحده، لا أستطيع أن أقبل العقاب على تكرارها… أنا آسف على الوضع الذي نشأ. لقد أمضيت سنوات مهنية رائعة في RTL. إنه الراديو الذي يعجبني، ولكن هكذا هو الأمر”.
وليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها جان ميشال أباتي عن مواقفه المناهضة للاستدمار، فقد سبق له أن دعا إلى ضرورة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر، مشددًا على أن الاعتراف بالحقيقة التاريخية هو السبيل الوحيد لتحقيق المصالحة الحقيقية بين البلدين.
ويعكس موقف جان ميشال أباتي شجاعة نادرة في المشهد الإعلامي الفرنسي، حيث يواجه الصحفيون ضغوطا شديدة عند تناول قضايا الاستعمار، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتاريخ فرنسا في الجزائر.
وتؤكد مواقف جان ميشال أباتي أن هناك أصواتا في فرنسا لا تزال ترفض طمس الحقيقة، وتصرّ على كشف صفحات الماضي دون مواربة، رغم الضغوط السياسية والإعلامية، ورغم حملات اليمين الفرنسي المتطرف الذي يسيطر على مختلف وسائل الإعلام ضد أي صوت داعم للجزائر داخل فرنسا.
عبد القادر. ب