جاءت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يوم أمس إلى ولاية بشار كحدث يتجاوز بروتوكول التنقل الرئاسي، والإشراف على إطلاق مشاريع تنموية استراتيجية وتدشين أخرى، ليتحوّل إلى رسالة سياسية متعددة الأبعاد. اختلط فيها البعد الرمزي بالاستعراض العسكري الذي ترجمته مرافقة طائرات صقور القوات الجوية للطائرة الرئاسية، والتواصل الشعبي في شوارع المدينة بإعادة التأكيد على وحدة التراب الوطني.
فمنذ اللحظة الأولى للزيارة، عكست مرافقة 4 طائرات مقاتلة من طراز سوخوي Su-30MKA وهو الطراز الذي يتميز بقدرته العالية على المناورة، ومهامه المتعددة التي تشمل السيطرة الجوية، الهجوم الأرضي، والمرافقة طابعًا غير مألوف لزيارة داخلية، ما اعتُبر بمثابة تأكيد صريح على يقظة المؤسسة العسكرية وجاهزيتها والتنسيق التام بين مختلف مؤسسات الدولة خاصة الرئاسة والجيش، نتيجة موقع بشار الحدودي مع المغرب الذي اختار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوقيع اتفاقية تعاون أمني وعسكري معه.
في هذا السياق، يرى عدد من المراقبين أن هذه الزيارة شكلت استعراضا للقوة موجه للداخل والخارج، يوصل رسالة مفادها أن الدولة حاضرة، وأن أمن حدودها وسيادتها المدعومة شعبيا ليس محل مساومة.
ولم يكتف الرئيس عبد المجيد تبون بالإشارات العسكرية، بل ذهب أبعد من ذلك، بخطوة بدت محسوبة جيدا، حين اختار السير وسط المواطنين ومصافحتهم في شوارع المدينة، حيث وصف المتتبعون التحام الرئيس بشعبه رسالة ناعمة لا تقل قوة، عكست ترسيخ الثقة الشعبية في القيادة، وإحياء حس الانتماء الوطني لدى سكان المناطق البعيدة عن مركز القرار.
ومن ولاية بشار، شدد رئيس الجمهورية من خلال التحامه بشعبه أن المناطق الجنوبية الحدودية تشكل صلب السيادة الوطنية.
ووفق المراقبين، فإن الدلالات السياسية للزيارة تزداد عمقًا عند ربطها بالسياق الزمني، إذ تأتي تزامناً و الذكرى الرابعة لقرار السلطات الجزائرية استرجاع واحة لعروضة بمنطقة بني ونيف بولاية بشار، أقصى الجنوب الغربي بالعرجة قرب مدينة فكيك المغربية.
وبالعودة إلى الرسائل الخارجية لهذه الزيارة الرسمية، فلا يمكن تجاهل الخلفية الجيوسياسية. فبشار ليست فقط ولاية جنوبية، بل بوابة نحو معادلة معقدة تضم المغرب، الصحراء الغربية، ومنطقة الساحل، إذ لابد أن تترك زيارة بهذا الزخم صداها في العواصم المجاورة.
و قد تحوّلت الزيارة محليا إلى حدث شعبي، حسب شهادات سكان عاصمة الساورة، والذين عبروا عن شعورهم بالفخر والاعتراف والامتنان، حيث تكررت عبارات الشكر لرئيس الجمهورية على اهتمامه بشتى ولايات الوطن خلال لقائه بالمجتمع المدني والأعيان.
نجاح أمني على جميع المستويات في منطقة جد حساسة
رغم حساسية الموقع الجغرافي لبشار، حيث تقع على تماس مباشر مع الحدود المغربية، برزت يقظة المصالح الأمنية في تأمين زيارة الرئيس عبد المجيد تبون دون تسجيل أي اختلال. فالتنسيق المحكم بين مختلف الأجهزة، من القوات الجوية إلى قوات الدفاع الجوي عن الإقليم، إلى مختلف الوحدات القتالية على الأرض وبشتى المواقع، إلى الأمن الداخلي والرئاسي، أتاح للرئيس التنقل بحرية بين مواطنيه، والمشي وسط الحشود بل ومصافحتهم دون حواجز تُذكر.
ولا يُعد هذا النجاح الأمني مجرد إجراء روتيني، بل يعكس جاهزية الدولة لحماية رموزها ومؤسساتها في مناطق تُعد خط التماس الأول في مواجهة التحديات الإقليمية، وفي ظل التوتر القائم مع الجار الغربي.
وقد وجّهت الأجهزة الأمنية من خلال إسهامها في إنجاح هذه الزيارة رسالة مزدوجة، تنوعت بين قدرة فائقة على ضبط الوضع الداخلي، واستعداد دائم لردع أي تهديد خارجي مهما كان نوعه ومصدره.
وفي المجمل، جاءت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى ولاية بشار كرسم دقيق للهوية التي يريد الرئيس عبد المجيد تبون ترسيخها: دولة قوية عسكريا واقتصاديا، قريبة من شعبها، وواعية بتحدياتها الجغرافية والاجتماعية.
عبد القادر. ب