تسارعت وتيرة الشحن في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، في حملة تهدف إلى بثّ التفرقة بين الجزائريين. فقد ارتفع عدد الفيديوهات والمناشير بشكل لافت، مع توظيف مقاطع مفبركة نُسبت إلى مسؤولين وأكاديميين جزائريين، على غرار الوزير السابق محي الدين عميمور، بغرض تأجيج النقاشات وتوتير الأوضاع.
وتندرج هذه العمليات ضمن ملامح الحروب الناعمة التي تمثل إحدى أدوات الجيلين الخامس والسادس من الحروب غير التقليدية، في إطار مخطط إماراتي خبيث يستهدف أمن الجزائر واستقرارها.
وأفادت مصادر مطلعة بأن اجتماعا أمنيا عالي المستوى عُقد يوم 2 ماي الجاري بأبوظبي، حضره كل من محمد بن عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس المكتب التنفيذي لمحمد بن راشد آل مكتوم، وطحنون بن زايد، شقيق محمد بن زايد ونائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني، إضافة إلى سعيد محمد الغفلي، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في الظاهر، والمسؤول عن التنسيق الاستخباراتي فعليا، إلى جانب مستشارين أجانب من شركة “GSG” للعلاقات العامة (Global Strategy Group)، والمعروفة بقدرتها على تنفيذ استراتيجيات فعّالة للتأثير في الرأي العام وصناعة السياسات، حيث تم خلال الاجتماع وضع خطوات دقيقة ضمن استراتيجية تستهدف الجزائر من خلال أدوات الحرب الناعمة.
وفي السياق نفسه، التقى طحنون بن زايد، أمس، برئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “سيسكو”، تشاك روبينز، حيث ناقشا “تعزيز الشراكة القائمة وآفاق التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني”.
ووفقًا لتسريبات من داخل غرفة العمليات المغلقة، أُطلق على الخطة اسم “إرباك الجزائر”، وتستهدف تشويه سياسات الجزائر الداخلية والخارجية من خلال حملة منظمة. وتشمل الحملة اتهام الجزائر بالفشل في إدارة ملف الساحل الإفريقي، والتورط في دعم انفصاليين أيديولوجيين، إضافة إلى تسريب معلومات مضللة إلى جهات دولية ضد الإمارات.
وأكدت التسريبات أن النقاش داخل القصر بأبوظبي تركز على تنامي التأثير الجزائري في ملفات حيوية، لاسيما ملف دارفور في السودان وملف الأزمة الليبية، إلى جانب التقارب المتنامي بين الجزائر وكل من تركيا وقطر. هذا التحول دفع دوائر القرار الإماراتية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة ما وصفوه بـ”التوسع الدبلوماسي الجزائري”.
وتنص الاستراتيجية الموضوعة في غرفة العمليات على تنفيذ سلسلة من الأنشطة الإعلامية والنفسية لإضعاف الموقف الجزائري. من بين أبرز هذه الأنشطة: تشغيل الذباب الإلكتروني، توظيف الذكاء الاصطناعي لإعادة تدوير سرديات قديمة عن الفساد الداخلي، التلاعب بعناصر الهوية الوطنية، وتسريب تقارير وفيديوهات مزيفة عبر شبكات غربية تتهم الجزائر بالإرهاب وبالتورط في التعاون مع إيران. كما تقرّر تحريك شخصيات جزائرية معارضة مقيمة في دول الخليج لبثّ البلبلة والتشويش على المواقف الرسمية.
وتأتي هذه الحملة في سياق استباقي، تزامنًا مع التوقعات بتكثيف الجزائر لتحركاتها داخل الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وهو ما تعتبره أبوظبي تهديدًا مباشرًا لمصالحها الإقليمية، خاصة في منطقة شمال إفريقيا.
وما كشفه فحوى هذا الاجتماع الأمني هو أن الجزائر تحوّلت إلى أولوية في الحسابات الإماراتية، بعد أن باتت تمثل عقبة أمام مشاريع أبوظبي في المنطقة، لا سيما في ظل تقاربها الواضح مع أنقرة والدوحة. وتعكس هذه التحركات رغبة إماراتية في خلط الأوراق الجيوسياسية عبر أدوات “الحرب الناعمة” والتأثير النفسي.
ولم تستبعد مصادر متابعة أن تكون النقاشات المحتدمة بمواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا حول مكونات الهوية الوطنية بين الجزائريين جزءًا من المؤشرات المبكرة على تنفيذ بنود هذا المخطط القذر، الهادف إلى زعزعة وحدة النسيج الاجتماعي الجزائري. فالجزائر، بمواقفها الثابتة ووفائها لرسالة الشهداء، أصبحت تمثل هاجسا مقلقا لأقزام دويلة الإمارات.
عبد القادر. ب