يرى الكاتب الأمريكي الساخر “مارك توين” (1835-1858) صاحب رائعة “مغامرات توم سوير” أنّ أهمية المسرح في حياة الطفل تنبع من وظيفته، حيث يعتبر أيضا أنّ المسرح الموجه إلى الطفل أقوى معلم للأخلاق وخير دافع إلى السلوك الطيّب، حيث اهتدت إليه عبقرية الإنسان لأنّ ما يجري على خشبته دروساً بالحركة المنظورة التي تبث الحماس وتصل مباشرة إلى قلوب الأطفال خلافا للدروس الكلاسيكية المؤداة بالأقسام التي لا تكون إلاّ بالكتب وبطريقة مُرهقة أو في المنزل بطريقة مُملَّة…
ويُعتبر المسرح أنسب وعاء لهذه الدروس، فحين تستعين الدروس بالمسرح فإنّها لا تتوقف في منتصف الطريق بل تمضي إلى غايتها بشكل عفويٍ لا تشويه ولا عقبات في الفهم والاستيعاب… فماذا يمكن أن يجده الطفل في المسرح ولا يجده في مكان آخر؟
المسرح يُحقِّق للطفل التسلية والتقديم الفني ويساعده في التّطوير النفسي عنده وفي استشارة الخيال لديه وتحريضه، كما يساهم في تنمية مواهبه ويسمح له بنموه النفسي والاجتماعي والجسدي، فتتفجَّر بذلك قدراته الإبداعية وتجعل له شخصية مُستقلة…
من هنا تأتي المسؤولية الانسانية الواجبة اتجاه الطفل كونه بذرة ديمومة الحياة واستمرارها بتوفير المسرح له… ونحن نعيش اليوم العالمي للطفل في مناسبته الموافقة للفاتح من شهر جوان تجسّدت أمامي في طِفلنا صورة “حَنظَلة” تلك الشخصية التي ولدت في رسوم الكاريكاتير “ناجي العلي” الفلسطيني، ذلك الطفل الذي لم يتجاوز عقده الأوّل وهو يُمثل علينا نفس المَوقف الدرامي في كل مرّة بإخفاء مرارة واقعه وهو يدير لنا ظهره، لأنّ العالم لم يحمه…
لقد علمتنا الحياة أنّ لحظاتِها أقصر مما نتوقَّع، وكشفت لنا في نفس الوقت على أنّها أثمنَ مما نتوقَّع، فنحن اليوم موجودون، وغداً علمها عند الله… فماذا سنترك للقادمين من أبنائنا؟ وماذا فعل مبدعونا لأطفالنا؟ فلما لا تَتقِد الفكرة وتنتفض الكلمة بأفعالها قبل أن يدهمنا الأفول وتنطفئ معه أحلام أبنائنا؟… وإنّنا نرى حال أبنائنا اليوم تدعو إلى الريبة والخوف والارتياب؛ الخوف من اتساع رقعة الفراغ الفني والبؤس الثقافي الذي يُميّز واقع الطفل لا بسبب الاستغراق في الحلم بمسرح يعيش فيه أحلامه ولا يشعر فيه بالغربة، بل لانعدام هذا الحلم بأسُسه ومُسوّغاتِه ومتطلباته…
مسرح الطفل يتراجع يوماً بعد يوم بسبب انعدام استراتيجية لذلك، ويتراجع أمام موجة ثقافة النقر على الأسطح التفاعلية التي تحوّلت إلى فرصة لعلاقات إنسانية سطحية تتمثل بحوارات ساذجة ومشفرة تُحيلنا إلى الفهم ما قبل اكتشاف الحرف المكتوب… فُعذرا لأبنائنا لأننا ما زلنا مصرين على التقصير في حَقّْهم.. على وزن “عذراً للغابات” الذي ظهر عنوانا لمقال الرّائعة “أحلام مستغانمي”…
بوبكر سكيني: ناقد مسرحي وإعلامي