من غرب الجزائر وبالضبط من ولاية عين تموشنت استضفنا في حوارنا لهذا العدد من ركن “سيرة عطرة ” شخصية صنعت اسمها بأنامل من ذهب في سماء العلم، بحيث أقسمت أن تترك بصمات جميلة الأثر في مختلف الميادين لتكوّن بذلك اسما مشرفا في الكتابة والأدب بشكل عام.
هو الكاتب والباحث أ.ميلود رقيق الذي فتح لنا قلبه في هذا الحوار الشيق مع جريدة “أخبار دزاير” والذي أجاب من خلاله على أسئلتنا التي مست مختلف ميادين حياته.
أجرت الحوار : وئام بن سليمان
أخبار دزاير: في البداية، هل لك أن تقدم الأستاذ ميلود رقيق للقراء ؟
الأستاذ ميلود رقيق من مواليد 1948 بالمغرب من أسرة هاجرت مع قبائل الهضاب العليا رفقة الشيخ بوعمامة إلى المغرب الشرقي بعد دحر ثورته ضد الاستعمار الفرنسي مع بداية القرن العشرين.
إطار تربية متقاعد منذ سنة 2009، كاتب وباحث في التاريخ، من مواليـد عام 1948م، متحصل على شـهادة الليسانس في التاريخ عام 1975. بوهران. عمل أستاذا في التعليم المتوسط والتعليم الثانوي في وهران وعين تموشنت ، ثم ناظرا ومدير ثانوية.
تفرغ بعد تقاعده لإرواء رغبته في البحث والتأليف وتمكَّن من إصدار15 مؤلفا، منها في تاريخ منطقة عين تموشنت 03 إصدارات، عين تموشنت عبر العصور (2010) وعين تموشنت: نشأة المدن الكولونيالية (2017) وعين تموشنت: مدن وتاريخ (2020).
وفي علوم التربية له عدة إصدارات في التشريع المدرسي والتسيير التربوي والبيداغوجي والتسيير المالي والمادي والتقويم والبحث التربوي، كما دَوَّن سيرته الذاتية في كتاب “معركة الحياة: رحلة حياتي بين أرض المهجر وربوع الوطن.
- الحياة بين المهجر والجزائر لها أيضا انعكاساتها ووقعها على قلب الكاتب ميلود رقيق وحتى على هذا الحس الإيداعي والميولات للتأليف ، فما قولكم؟
– وأنت تتصفحين كتاب معركة الحياة، الذي كان محل دراسة أكاديمية في جامعة عين تموشنت، ستجدين في أول قسم له في أرض المهجر أتحدث عن الأصل والولادة والنشأة، وكيف تمكنتُ أنا الوحيد من إخوتي أن أدخل الكُتّاب والمدرسة في قرية نائية تسمى “النعايمة” المتواجدة غرب مدينة وجدة، إذ تبعد عنها بحوالي 30 كلم الى غربها، بعدها التحقتُ بالمدينة الكبيرة “وجدة” وأتممت دراستي الاكمالية والثانوية، بعدها التحقت بالمعهد التكنولوجي للتربية “سان شارل” بوهران عام 1971 لأصير أستاذا في التعليم المتوسط .
” لم تَكُن حياتي تختلفُ عن حياة إخْوَتي في شيء، ألعب كما يلعبون، وأمرَح بمثل ما يمرحون، بحسبِ ما يُتاح لنا من لَهْو ومَرَح. أشارك في الحياة العامة بما كان يُناسب وضعَ الإنسان آنذاك. من أحوال وأعمال. أُشارك في الفلاحة من حَرْثٍ وزَرعٍ على الرغم من صِباي. كان الرَّعْيُ ضرورة مُلحّة، أبادر فيه من حينٍ لآخرَ آخِذاً بزِمامِ القطيعِ ومُراعيا حَذَرا بما يَخرج من الطبيعة من حَشرات وحَيَّاتٍ. كان جَلْبُ الماءِ شيئاً عَسيراً ويُعتبر نشاطا آخرَ تفرضُه طبيعةُ الحياةِ وطُقوسِها. وللهِ دَرُّ الأحْمِرَة التي ساهمت بقسط كبير في تزويد الناس بالماء الشّروب، يَضعون فوق ظهورها بَراميلَ يَملئونَها ماءً. وكنتُ حينَها قائداً مُداوِماً بين البيتِ و”السَّقَّاية”. ( ص22)
ثم تحدث عن ظروف تواجد الأسر الجزائرية المهاجرة إلى المغرب منذ الاحتلال الفرنسي وكذلك حياة الأسر اللاجئة بعد اندلاع الثورة التحريرية.
وعن إنجازات الكاتب ميلود رقيق، رد ببساطة بأن أهم إنجازاته تتمثل في مساهمته في قطاع التربية الوطنية، حيث عاصر عدة مراحل في تاريخ المنظومة التربوية، منذ السبعينيات إلى بداية الألفية الثالثة، وبالتالي تَمكّن من مُعايشة الكثير من القضايا التربوية، خاصة أنه عمل مربيا ثم إداريا وما زال مؤطرا لتكوين موظفي التربية الوطنية في معهد البشير الإبراهيمي بعين تموشنت إلى الآن وعمره ناهز 72 سنة .
ويعتبر الكاتب والباحث في تاريخ عين تموشت (إذ هو من الأوائل الذين تناولوا التاريخ المحلي للمنطقة)، خاصة أن إصداراته الخمسة عشر(15) ، كما أن سلسلة مؤلفاته الأخيرة الصادرة عن دار آدم مرام بالجزار (2021) تضمنت كتبا تربوية تكوينية تعليمية ترافق محتوياتها رجال سلك التعليم الذين ولجوا هذا القطاع حديثا، وتكون خير سَندٍ لهم في أداء مهامهم النبيلة في التربية والتعليم.
هو يعلم أن هؤلاء بحكم تجربته ينقصهم التكوين في مجالات كثيرة في علوم التربية و” الديداكتيك “وعلم النفس، والتي كانت تتولاها المعاهد التكنولوجية للتربية سابقا وكذا المدارس العليا للأساتذة، ولا يقبل توظيف المربي أو الإداري ألاَّ بعد تكوين داخلي يدوم سنة كاملة ويكون متفرّغا لدراسة كل ما له صلة بالتعليم. وها نحن نشاهد اليوم تدهور المنظومة التربوية لهذه الأسباب وأسباب أخرى يعرفها العام والخاص، كما يضيف محدِّثي.
- ما هي المشاريع المستقبلية للأستاذ ميلود رقيق والتي يسعى إلى تحقيقها في الأيام القادمة إن شاء الله؟
- مهما بلغنا من العمر عَتيا فإنَّ هناك أمانات على هذا الجيل أن يؤديها اتجاه الجيل الحالي واتجاه الوطن، أولها المساهمة إيجابيا في الأحداث المتطورة المتسارعة التي يعرفها الوطن وهو يمر بأصعب مرحلة في تاريخه، فالتغيير الذي ينشده الجميع لن يتَأتَّى إلا بمساهمات الجميع، كل حسب وظيفته وعمله واهتماماته وإسهاماته العقلية والبدنية، والعمل الخالص لتحقيق الذات الفردية والجماعية.
هذا الواجب يُعتبَر حتميا في عالم مكوكب وعصر يتميز بتطور سريع في عالم التكنولوجيا والمعرفة والاتصال والتواصل، فإن لم نعمل على التأثير على الأحداث وهذه التطورات، فلا شك أننا سنكون خارج الحيز الذي يعيش فيه العالم. إن العالم اليوم لا يرحم المستضعَفين في كل المجالات.
مواصلة تأدية مهامي التربوية والتأطيرية هي شغلي الشاغل، وفي هذا الإطار أسعى من خلال مرافقتي للطلبة والكُتاب الجدد في بحوثهم الأكاديمية وإسهاماتهم الإبداعية أن أقدم تحفيزا لكل هؤلاء لتخطي الصعوبات وتحقيق الطموحات.
لقد صارت لنا وسائل اتصال وتواصل سريعة بين البشر في المعمورة ، فعلينا أن نعرف كيف نستغل هذه الوسائل الإعلامية التواصلية مثل مواقع التواصل الاجتماعي لربط الصلة بين جيلنا والجيل الحالي فيما ينفع العباد والبلاد، ومجموعتي في الفايسبوك ( الذاكرة المحلية لعين تموشنت) تسعى لتحقيق هذه الأهداف بنشر ما هو مهم وهام مع تبادل الأفكار والمعرفة.
- وماذا عن رسالتك إلى الشباب، استنادا لهذه الخبرة والتجارب الطويلة ؟
إن شباب اليوم ليس هو شباب الأمس، وبالتالي على جيل الأمس أن يُفهِم شباب اليوم أنّ الحياة أخذ وعطاء.، وهذه الأخيرة لن تعطيك شيئا إن لم تعرف كيف تسطِّر مشروعا في حياتك.
مشروع يلبي رغباتك وطموحاتك، مشروع ليس خياليا طوباويا، بل مشروع واقعي، تعرف من خلاله كيف تدرس واقعك في حيزك الضيق وفي فضائك الواسع، ثم تسطر مشروعا في حياتك مهما كان موقعك.
المهم أن تكون لك أهداف تسعى لتحقيقها، دون أن تفكر فقط في الصعوبات المعترضة، بل تفكّر كيف تتغلَّب على هذه الصعوبات بحِنكة ورَوية وذكاء دون ارتجال وعشوائية وتخلص في عملك مهما كان نوعه، وأن تضحي بما لديك من جهد بدني أو عقلي تتبوَّأُ به أسباب الحياة .
فقد صدق من قال أن: ” الحياة أشبه بالمشي على الحبل، فكلما تمكنا من الحفاظ على توازننا ولكن حالما نتوقّف فستكون خطورة السقوط وشيكة”.
نحن لا نريد الوقوع في السقوط، بل نسعى بكل ما أوتينا من قوة أن نتجاوز صعوبات الحاضر لبناء المستقبل بخُطى ثابتة ومدروسة ونتجنَّب كل ما هو مُحبِط في الحياة .
أخبار دزاير: وئام بن سليمان