بعض النّاس – هداهم اللهُ – كأنّهم خُلقوا لمحَاسبة المسؤُولين، ومُسَاءلة المُنتخَبين..حين تتحدّث معهم يُثقلُون كاهلَكَ بسؤال غريب :(..ماذا قدمتَ؟؟) سؤالٌ يبدو في ظاهره بريئًا ،
ولكنَّ: (..وراءَ الأكمّة، ما وراءَها؟؟).. (ماذا قدمتَ؟؟) صيغةٌ تنتمي إلى (فصيلة) الأسئلة “القَدحيّة” وما يتفرّعُ عنها،
..والمقصودُ من ورائها ، ليس طلب الفهم، أو رجاء الاقتناع ، بل محاولة التّعجيز ، ولا شيئ غير تحقيق هذا الهدف ، بخُبث ظاهر، ومكر بيّن . و.إصرار مبيّت؟؟
ليسمن الأخلاق في شئ ، ولا في ما هو معروفٌ لدى أُولى الفهم وذوي المعرفة ، وأصحاب العقل، أن يتجرّأَ واحدٌ (وليس جماعةٌ مؤهّلة) على مُساءلة مسؤول مّا، بفضاضة وغلظة، لمجرّد أن هناك رابطاً قد يكون صلباً وقد يكون هشّا، يجمع بينهما ؟؟ ناسياً هذا “الواحد” أنّ المسؤولَ المعني ليس من واجبه الكشفُ عن نشاطاته لكلّ مَن هبّ ودبّ، وليس مطالباً – شرعًا وقانونًا – بتقديم “خارطة طريق” لكلّ مارّ عبر الطّريق؟؟ ولم يكن، في يوم من الأيّام،في حاجة إلى تبرير شكل ومضمون أدائه الإنتخابي، لكلّ متطفّل تكون قد خانته الذاكرةُ ، أو متحامل يكون ناكرًا للجميل، أو مُعجب بنفسه ،يرى في تحدّي غيره متعة، أو(معتوه)تروقُه المُغالبة؟؟
ظاهرةُ المساءلة هذه، لم تكن منتشرةً بالشكل الفضيع التي هي عليه الآن، و إلى سنوات قليلة مضت°، ، وبالتّأكيد فهي ليست نتاجَ انتشار ثقافى متميّز، أوتحصيل علميّ مُمتَاز، ولكنَّها في اعتقادي، وُلدت من رَحم تكوين عشوائي، نجمت عنه شُحنَاتغُروريَّة خطيرةُالتأثير ، فأضحى صاحبُها يحسب نفسه من القادرين على حمل مطرقة القضاء، وبالتّالي فهو بهذه الصفة (السُّلطويّة) التي خوّلها لنفسه بنفسه ، ظنّ أنّه باتيملك الحقّ، كُلَّ الحقّ، في طرح ما شاء من أسئلة بكلّ أنواعها التي ذكرها الأُصوليّون: (إستفساريّة مَطالبيّة، مَنعيّة ،كَيديّة، إستفزازيّة..إلخ..) ومن واجبه معرفةُ مسار حياة خلق الله بتفاصيلها المُملّة ، على أن يكونَ هو وحده ، الخصم و الحكم،وصاحب القرار الذي لاتجوز مراجعته،و لا تُقبل مُعارضتُهُ؟؟
عجبا لأمر هؤلاء الذين كأنّ بهم مسًّا من الشّيطان ؟؟ .
والأكيدأنّ الكثيرين لا يعرفون دورَ كل مسؤول، ومهمّةَ كل منتخَب وإلّا لكانوا تريّثوا في اندفاعهم نحو المجهول، وقدّروا المسافةَ الفاصلةَ بينهم وبين هؤلاء وأولئك ..
لقد قال لي – ذات يوم أحدُ المتنطّعينَ: (ما ذا قدمتَ لبلديتك؟؟) .. وقال لي أحد المُتفيقهين: (ماذا قدمتَ لولايتك؟؟) ..والواقع، فإنّني لم أجزع من “قول” هذين ،ولا أقول “كلام” ، لأنّنا تعلّمنا في صغرنا أن “الكلاّمَ هو اللّفظُ المركّبُ المفيد..”..بل أشفقت عليهما لجهلهما المدقع بدور كل سلطة : (التشريعية +التنفيذية + القضائية) والمهام المخوّلة لكل مَن ينتسبُ إلى إحدى هذه المؤسّسات الدٌستورية ..
و بالمنَاسبة….
فالنائبُ: دوره التشريع ، وسَنّ القوانين/// والوزيرُ: دوره تنفيذ الأحكام/// والقاضي: دوره تطبيق القوانين ، وحتى لا تتداخل وظائفُ سلطة في أخرى، فقد صاغ المفكّرُ السّياسي الفرنسي “مونتيسكيو” مصطلحَ: (فصل السّلطات)، وإن كان الاغريقُ قد عرَفوه من قبلُ ..لكنّ – للأسف الشّديد – هناك دُوّل كثيرةً في عصرنا ، جعلت من هذا المصطلح مجرّدَ شعار؟؟؟؟
إذن، فحين يسأل أحدُهم منتخَباً مّا: (.. ماذا فعلتَ؟؟) فهل هذا السائلُ على بيّنة من بداية ونهاية مجال تحرّك هذا المسؤول ؟ ؟هل هو على دراية بما يخوّله له القانون؟؟ هل من واجب المنتخَب الرّد عن كل استفسار، الغَثّ منه و السّمين؟؟
هناك فرقٌ شاسعٌ بين مَن مهمتّه حمل الإنشغال وبين مَن دوره القيام بالأشغال.. شتّان بين المَعنَيين ،فالنّائبُ – مثلا – يحمل انشغالات المواطنين ويدافعُ عنها، بينما الوزيرُ أو الوالي – مثلا- عليهما بالتكفل بهاته الانشغالات ميدانياًّ وتجسيدها على الواقع..إذن فليس من الإنصاف في شئ أن نسألَ النّائبَ عن القيام بمهمة تدخلُ أصلاً ضمنَ مجال اختصاص غيره ، وبالضبط السلطة التنفيدية؟؟؟
حقّاً، يجب أن نعرفَ إن كان النّائبُ حريصاً على تحسّس آمال وآلام المواطنين، وإيصالها بصدق وأمانة، والدفاع عنها بكل شجاعة، إلى أعضاء الهيئة التنفيذية …ولكن مالا تعلمُه العامّةُ، و حتّى بعض الخاصّة ، أن التّقصيرَ كلّ التقصير يأتي من بعض عناصر هذه الهيأة؟؟ ..هؤلاء البعض كأنّى بهم يُحبّون (التّلذُذَ) بمعاناة المواطن، ويَهوَون التّفرجَ على مشاكله، بواسطة التّسويف، والتّماطل، وفي بعض الأحيان، احتقار المَطَالب وتسفيه المُطالب؟؟ كم من منتخَب عاش الأَمرّين جرّاءَ عُزوف هؤلاء التّنفيذيين عن التجاوب معه بإيجابية ؟؟ سلاحُهم، الوُعود “الهُلَاميّة” ، والمواعيدُ المفتوحة، ،والبيروقراطيةُ القاتلة، بل في أحَايين كثيرة ” يُورّطون” المنتخَب مع المواطن، بسبب عدم الإيفاء..؟؟..قد يقول قائلٌ: (ما دام الأمرُ هو ذا، فَلمَ لا ترفعُه إلي ما هو أعلى؟؟؟) فأقول:(..الناس متضامنة مع بعضها البعض..؟؟)
حـــريٌّ بمَن يطرحُ سُؤالَ: (ماذا قدمتَ ؟؟…) على أيّ عُضو من تشكيلات المجالس الشَّعبية المُنتخَبة ( وبخاصة الوطنية والولائية) أن يُوجّه أصابعَه الخمسةَ بل العشرةَ إلى أعضاء الهيأة التنفيذية، وطنيًّا ومحليًّا، وبذلك يكون قد وضع إصبَعَهُ على مَكمَن الدَّاء، إن كان – فعلاً – يبحثُ عن الدّواء..أمّا أن يختارَ ضربَ الحملَ لمجرّد أنّه مُسالمٌ ووديعٌ، ويهابُ الكبشَ لأنّ قرونَه حادّةٌ و مُلَولبَة، فتلك هي عينُ الجُبن،وقمّةُ الخوف؟ ،
هنا، من حق البعض أن يسأل: “لماذا لم تقل هذا الكلام من قبلُ”.. والجواب: هوأنني قلتُ هذا الكلامَ وأخطرَ منه. والتّسجيلاتُ (سي.دي) موجودة بالصّوت والصّورة، وهي في مُتناول العديد (مؤسسات وأشخاص) ويُمكنٌنى أن أضعَها بين أيدي مَن يطلبها.. ولتسهيل الأمر على مَن يبحث بصدق عن جواب : (ماذا قدّمت؟؟) سوف أزوّد هذا الموقعَ بما يفيد //صوتًا وصورةً// …بالإضافة إلى هذا، فلعلّ مناسبةَ الإنتخابات التّشريعيىّة التي نعيشُ أجواءَها ، جعلت بعضَ القراء (ينزلون بهَرَاوَاتهم) على رُؤُوس النّواب لَائمينَهُم على ما ظنّوهُ تقصيرًا ، وما اعتبروه تهاونًا، وهذا ما يُوجبُ دَفعَ الأقاويل، ودَحضَ الإتّهامات، بالحُجّج الدّامغَة، والبراهين السّاطعَة.
ويستحضرني هنا قولُ الشيخ :محمد متولي الشّعراوي ، رحمة الله عليه:
(…إذا لم تجد لك حاقداً أوحاسداً، فاعرف أنّك إنسانٌ فاشل)
وقد نعود…
الجلفة بتاريخ:12 أبريل2012
النائب السابق: مصطفى بن عطاءالله ،