مرّت حوالي عشر سنوات على انطلاق تنفيذ مُؤامرة “الربيع العربي”، واعتقد البعض أن الجزائر هي بمنأى عن المُؤامرة وتداعياتها..
ما يحدث اليوم في الجزائر بات يدعو للقلق، فخلال عودة الإحتجاجات الأخيرة والتي باتت تؤطرها حركة تُسمّي نفسها ب”رشاد”، تأكد إختراق العديد من الشبان والشابات الذين تدرّبوا على يد بعض المنظمات الدولية غير الحكومية، التي هي في حقيقة الأمر، مجرّد أدوات مُموهة، ومُغلّفة بحقوق الإنسان والديموقراطية…. تشتغل لحساب أجهزة المُخابرات الأمريكية والغربية وحتى المُوساد الإسرائيلي الذي دخل بقوة على ملعب “الربيع العربي”، عبر الصهيوني برنار ليفي، فهذه العناصر، ومن خلال اليافطات والشعارات التي ترفعها، أكدت أن هدفها الرئيسي ليس هو مُعارضة نظام الحكم القائم أو المطالبة برحيله، وإنّما ضرب صورة الجيش الجزائري والمساس بها، وبالأخص تشويه صورة جهاز المُخابرات الجزائرية، الذي بفضله أُحبطت العديد من المُؤامرات الإرهابية بالأساس.
تحامل حركة “رشاد” على المُخابرات الجزائرية، يُمثل أهم حلقة في مُخطط مُهندسي “الربيع العربي”، الذين لا يهمهم الإنتقال بالشعوب العربية نحو الديموقراطية كما يزعمون، ولا إخراج هذه الشعوب من أزماتها، بل همّهم الأول والأخير، القضاء على مُقوّمات الدولة، كما هو الحال اليوم في ليبيا، وهذا لا يتأتّى إلا عبر تدمير قوة الجيش في البلدان المُستهدفة، وتأكد هذا الأمر في كل من تونس ومصر وسوريا.
إذا نحن تمعّنا في مواقف الجزائر تُجاه ما حدث ويحدث في العالم العربي، نجد أنها كانت ترفض دائما الإنخراط في تزكية القرارات العربية والغربية التي تستهدف أمن واستقرار سوريا ومصر وليبيا وتونس.. وهذا ما أغضب بعض الأدوات العربية الرخيصة، والتي وصل بها الأمر إلى حد أن هدّد رئيس وزراء سابق لدولة خليجية وزير الخارجية الجزائري آنذاك، مُراد مدّلسي، بالقول “الدّور آت على الجزائر”، وهو التهديد الذي لم يُقابله ردّ قوي من الديبلوماسية الجزائرية، بل بالعكس من ذلك، فُتحت الأبواب لهذه الدويلة تحت غطاء الإستثمار، لاختراق الجزائر وبشكل كبير!
فهذا الإختراق، ليس هو الوحيد الذي عايشناه، بل هنالك إختراق فرنسي مغربي، وحتى صهيوني، وخير دليل على ذلك تفكيك شبكة جواسيس سوريين ولبنانيين يعملون لحساب الموساد الصهيوني في الجزائر، منذ بضعة سنوات، وإذ أركّز على مُعطى المُؤامرة، فلأن بعض مشاهد وفصول سيناريو “الربيع العربي”، بدأت تتكرر في الجزائر، فلأول مرّة نشهد لقاءا بين قيادات أحزاب علمانية، وأعني بها قيادات حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية “الارسيدي”، وقيادات أحزاب إسلامية، كالجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، وبعض المُراهقين سياسيا، وهذا المشهد رأيناه في سوريا بالأخص، عندما تحالف المتأسلمين مع من كانوا يصفون أنفسهم بالعلمانيين واليساريين، وأسسوا ما أسموه “الإئتلاف”.
كما أنني متأكد مرة أخرى من بداية تحرّك بيادق مُهندسي مُؤامرة “الربيع العربي” في الجزائر، عندما سمعت جماعة “رشاد” تُردّد نفس الشعارات التي أستعملت ولا تزال، في مصر وسوريا.. كـ “الشعب يريد إسقاط النظام”، و”النظام قاتل” “لا لحكم العسكر”…، وباتوا يطلون علينا بشعارات لا تتعلّق برفض سياسة السلطة الحاكمة، بل تتعدّاها إلى المساس بمُؤسسة الجيش الوطني الشعبي الجزائري، فهذا ما لا يجعلني أعذر أي أحد منهم، لأنّ غالبيتهم من “الشواذ” سياسيا، وممّن تدرّبوا على يد الصهيوني برنار ليفي والمنظمات التي تدور في فلكه، إذ أصبحنا نرى كيف أن الأمم المتحدة أدانت “قمع” الإحتجاجات، شأنها شأن البرلمان الأوروبي، علما هنا أن قوات الأمن الجزائرية، تعاملت ولا تزال بعقلانية مع المحتجين، الذين غالبا ما يطلق سراحهم جميعا ساعات فقط بعد الإعتقال، وهذا بعد عرضهم على الفحص الطبي، فأي قمع هذا الذي رأته الجهات المُحرّكة لـ “الربيع العربي”، وهل هذه الجهات أصابها العمى، بخصوص عمليات التنكيل والتقتيل التي يُمارسها الصهاينة بحقّ الفلسطينيين؟
كيف يُعقل في أيّ دولة كانت أن تسعى “النخبة” السياسية والإعلامية بها إلى إضعاف نفسها بإضعاف الجهاز أي جهاز المخابرات الذي تُبصر به ويمُدّها بالمعطيات والحقائق ما ظهر منها وما بطن والتي تُمكن النخبة السياسية وحتى الإعلامية من تحديد تموضعها وتموقعها على الساحة الداخلية والخارجية؟
أطمئن مرّة أخرى الجميع، بأنّ مخططات هؤلاء لن تجد سبيلا لها إلى التنفيذ في الجزائر، فنحن شعب دفع أغلى ضريبة دم إبان الثورة التحريرية المُباركة، ودفع قوافل من الشهداء خلال العشرية الحمراء لاسترجاع أمن الجزائريين، وتخليصهم من رجس الإرهاب، وهو اليوم أي الشعب الجزائري، لن ينساق إلى الفتنة المُبرمجة، والشعب الجزائري سيُحدث التغيير كما يُؤمن به هو، لا كما يُريده له برنار ليفي ومرتزقته في الجزائر.
بقلم: زكرياء حبيبي
31 مارس 2021