ما نشهده حاليا من تحرشات في حق الأطباء ومنتسبي قطاع الصحة عموما في حملة غير مبررة تهدف إلى تحميل الأطباء مسؤولية تردي الأوضاع الذي يعرفه القطاع منذ بداية إنتشار الوباء، فيه ظلم كبير لفئة تجندت بكل قوة رغم قلة الوسائل وغموض طريقة انتشار هذه الجائحة وكيفية التعامل معها نظرا لطبيعة الفيروس المسبب لها وعجز المنظمات الصحية العالمية ومراكز البحوث والمختبرات في التصدي لهذا الوباء، وتخبطها في كيفية الوقاية وتحديد طبيعة انتشاره، ودفعت الثمن ومازالت غاليا من خلال قوافل الشهداء من السلك الطبي وعاملي قطاع الصحة الذين يتساقطون يوميا من أجل محاصرة الوباء ومحاولة إنقاذ مايمكن انقاذه في حدود الإمكانات المتوفرة .
السلك الطبي الذي يبذل جهودا مضنية وعمل متواصل في ظروف يعلمها العام والخاص تتجاوز في أحيان كثيرة طاقة التحمّل يحتاجون منا وقفة تضامن وعرفان على ما قدموه ويقدمونه وأن نكون لهم سندا في هذه المعركة .
هذه الحملة الشرسة التى تستهدف الأطباء وعمال قطاع الصحة والتى قد تنال من عزيمة الطواقم الطبية التى تقاوم بشجاعة نادرة بلا كلل أو ملل طيلة خمسة أشهر وتدفع ثمنها أرواحا من صفوفها في مواجهة قلة الإمكانات من جهة واستهتار قطاع واسع من المواطنين وعدم التزامهم بقواعد الوقاية في تحد صارخ لوباء لا يرحم، لا نجد لها مصوغّا معقولا بالنظر إلى طبيعية هذا الوباء الذى جعل أكبر الدول المتقدمة تقف منظومتها الصحية عاجزة أمامه ووصلت إلى حافة الإنهيار.
ما شهدناه في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، حيث كانت تنقل عدسات الكاميرات صور المرضى يفترشون الأرض في المستشفيات ونقص معدات التنفس وأبسط وسائل التعقيم والحماية ووصل الأمر الى قرصنة المعدات جوا في سماء اوربا ومع ذلك إلتزم المواطن بتعليمات الحجر وقواعد الوقاية في وعي ظاهر مما سمح وساعد الأطباءوعمال قطاع الصحة على التحكم في انتشار الوباء وعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها .
إلتقاط صور وفيديوهات للمرضى والموتى لايجيزه شرع ولا يقبله قانون ولاعرف فهو تعدّي على حرمة الأحياء والأموات هناك ألف طريقة للفت انتباه السلطات إلى النقائص المسجلة في التجهيزات والمعدات غير تلك الطريقة البائسة التى تعبر عن قلة الوعي وانعدام الضمير.
كلنا نعرف حالة مستشفياتنا ونقص الوسائل والتجهيزات ومعاناتها مع قلة الكوادر الطبية من جراء فساد دام 20 سنة لم تعط خلالها أولوية لبناء منظمومة صحية تسهر على صحة المواطن وتوفر له خدمات لائقة في هذا المجال وقد خرج الأطباء في كذا مرة في حركات إحتجاجية على تردي ظروف العمل ونقص التجهيزات وإخلاء مسؤوليتهم تجاه تعفن القطاع والخدمات الرديئة المقدمة للمواطن والتى لا تشرف دولة بحجم الجزائر ، هذا الوضع الذي دفع بهجرة خيرة أبناء القطاع (14000) طبيب بفرنسا وحدها ، لكن هذا الوضع لا يعطينا مبررا لتلك الأفعال المشينة من تصوير جثامين الموتى رحمهم الله وهتك حرمة المرضى بحجة نقل الواقع والتعدي على الأطباء وتكسير الممتلكات في سلوك همجي بعيدا عن تعاليم ديننا وأخلاقنا وقيمنا.
من المؤكد أن الهبة التضامنية الشعبية كان لها أثر إيجابي في مواجهة هذا الوباء الفتاك والمساعدة على توفير وسدّ حاجيات القطاع الصحي ومازالت مستمرة إلى اليوم من خلال اقتناء وسائل التعقيم والوقاية وصهاريج تخزين الأوكسجين من طرف المحسنين وكذا اجهزة التنفس التى قامت جمعية العلماء المسلمين على تقديم هبة تقدر بأكثر من 1600وحدة الى وزارة الصحة غير ماتكفلت بشرائه الجمعيات الخيرية بالمقابل هناك قطاع واسع من المواطنين بتصرفاتهم المتهورة وعدم التزامهم بقواعد الوقاية والحجر الصحي المفروض على جّل ولايات الوطن يكاد يقوض كل هذه مجهودات زيادة على التسيير السيئ والعشوائي في بعض الأحيان والمستفز من بعض أعوان الدولة ( الولاة) بتصريحاتهم الخارجة عن الإطار مرة وعدم إحترام الأطباء ومخاطبتهم بأسلوب لا يليق وفيهم الطبيب والبروفيسور مرة اخرى ….
يجب أن نعلم أننا ورثنا من نظام فاسد منظومة صحية متهالكة يحاول القائمون عليها بكل جهد وإخلاص لا نشك في ذلك القيام بواجبهم تجاه المواطن وحمايته من هذه الجائحة لتخطي مرحلة الخطر والعودة الى الحياة الطبيعية تدريجيا ولكن على السلطات أن تعطي أهمية بالغة الى الكوادر الطبية والإستماع إليها لإيجاد الحلول لهذه الوضعية الصحية الصعبة بعيدا عن خطاب شعبوي يزيد الطين بلة يحاول التهرب من المسؤولية بإلصاق التهم كما عهدنا من قبل بالأيادي الخارجية
كلنا يعلم واقع القطاع فالدولة قادرة على النهوض به والأطباء وكل عمال القطاع عازمون على رفع التحدي .
نحن في حاجة ماسة إلى مد جسور الحوار والتواصل بين مختلف الفاعلين في القطاع من أطباء القطاع الخاص والعمومي والقائمين على إدارة المستشفيات والجهات المركزية ، نملك كفاءات مشهود لها شخصيات مرموقة في المجال كانت تدير أكبر المنظومات الصحية عالميا وتشرف على أكبر مراكز البحث لا يساورنا شك في قدرتها على تصور حلول ناجعة ، نحن في حاجة ماسة الى الاستماع الى آرائهم ومقترحاتهم جميعا وتفعيل دور المجالس الطبية الولائية للخروج بمقترحات ترسم خريطة طريق للخروج الآمن من هذه المحنة فأهل مكة أدرى بشعابها .
سننتصر …
بقلم الكاتب: سعيد عياشي