وبرأي المتتبعين، فإن الرئيس عبد المجيد تبون الذي أعاد للدبلوماسية هيبتها في زمن قياسي، سيكون أمام تحد آخر، يتمثل في الأزمة الاقتصادية التي تتطلب حلولا عاجلة وميدانية…
ونظرا لأهمية حوار سابق أجرته ” أخبار دزاير ” مع وزير الطاقة الأسبق الدكتور شكيب خليل حول الأزمة الاقتصادية والتحديات التي تواجه اقتصادنا الوطني، والحلول التي يقدمها، ها نحن نعيد نشره من جديد، عله يساهم في تقديم بعض ملامح الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة…
يطرح الوزير الأسبق للطاقة والمناجم الدكتور شكيب خليل في هذا الحوار الذي جمعه بـ “أخبار دزاير” رؤيته حول التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، والبدائل المطروحة، إضافة إلى الحلول الواجب انتهاجها من أجل تحقيق جملة من الأهداف وهي تحسين القدرة الشرائية، حماية الفئة الفقيرة، وتحقيق فائض في العملة الصعبة وتوفير فرص عمل، كما سيرد عبر هذا الحوار على أسئلة تهم المواطنين في الجزائر، والمتعلقة أساسا بالأزمة الاقتصادية ومدى نجاعة سياسة دعم الأسعار وتطوير الاستثمار الوطني والأجنبي، إضافة إلى واقع السوق الموازي ومستقبله في الجزائر ..
التفاصيل في هذا الحوار الحصري ..
حاوره: كريم يحيى
الخروج من التبعية للمحروقات عملية صعبة كما تشير إليها تجربة الدول التي نجحت في هذه العملية، ولكن هي عملية ضرورية للوصول إلى إقتصاد مُنوّع ينمو بطريقة متواصلة و مستدامة. وفي هذ العملية يجب مواجهة كثير من التحديات الحاسمة منها التغيير فى السياسات الحالية،
إذن ما الذي تقترحه ؟ وهل من الممكن أن تحدثنا عن الأهداف المتوخاة من الاقتصاد الجزائري بطريقة بسيطة، وتعطينا أكثر تفاصيل حول كل هدف بطريقة يفهمها الجميع ؟
في رأيي من أهم الأهداف التي نود أن نصل إليها في مجتمعنا هي:
- أولا : خلق فرص عمل حقيقية للجميع بقدر الممكن ، و في نفس الوقت تُمكّن المواطنين من تحقيق معيشة كريمة، و تزداد أجورهم بإنتاجيتهم في عملهم و تطابقا مع تحسين الظروف الاقتصادية للبلاد. (يعني كل ذلك عن طريق كثرة المعروض في سوق التشغيل من طرف المتعاملين الاقتصاديين ينتج عنه خلق تنافسية في المعروض.)
- ثانيا: تحسين في القدرة المعيشية للمواطنين بتحسين إنتاجية العمال مباشرة أو غير مباشرة ، و في نفس الوقت بتقليص التكلفة المعيشية من مواد استهلاكية و سكن ونقل وتعليم وصحة وخدمات عمومية وخاصة.
- ثالثا : تضمن حماية الفئة الفقيرة التي تصنف على أساس المعايير المستعملة و المعدلة من طرف الهيئات المختصة للأمم المتحدة، وتكون هذه الحماية مباشرة ونقدية لمستحقيها، وتساعد بتغطية كلفة السكن، والنقل، والتعليم والصحة، والمواد الاستهلاكية والخدمات في إطار الوصول إلى أكثر عدالة اجتماعية .
- رابعا: تحقيق فائض دائم ومعتبر من العملة الصعبة لسد حاجيات الدولة لضمان الأمن والسلم والسلام، وللتكفل بحاجيات المواطنين، ومتطلبات الاقتصاد الوطني من استيراد المواد و المنتوجات و الخدمات من الخارج حتى يتسنى لنا التوصل إلى الاكتفاء الذاتي في كل هذه المجالات في المدى الطويل .
في رأييي: الاستثمار هو أهم وسيلة للوصول إلى تجسيد أهدافنا المسطرة.
لماذا يعد الاستثمار مهما لهذه الدرجة، ويشكل أكبر تحدي، وهل سيبقى استثمار الدولة يهيمن على الاستثمار في الجزائر؟، وما هي الأسباب وراء ضعف الدولة في توسيع الاستثمار؟ وما هي التحديات التي تواجهه ؟
- أغلبية الاستثمار في الجزائر يأتي من طرف الدولة و القطاع الخاص المحلي الذي يعمل حاليا تحت مظلة الدولة، ولكن مداخيل الدولة محدودة بتبعيتها لمداخيل المحروقات (100% من العملة الصعبة و60% في ميزانيات الإيرادات ولأن إنتاج المحروقات غير متزايد، و إضافة إلى ذلك فاستهلاكنا الداخلي للمحروقات يزداد و الأسعار العالمية من المتوقع أن تبقى منخفضة).
إذن، تحدينا الأول هو :
من أين ستأتي الأموال لتحقيق الزيادة المتواصلة والمستدامة للاستثمارات من طرف الدولة والقطاع الخاص الوطني كي نصل إلى أهدافنا المسطرة؟
عندما ننظر إلى مداخيلنا بالعملة الصعبة نرى أن 100 % منها تأتي من تصدير المحروقات ولا نربح ولا أورو ولا دولار من القطاعات الأخرى حتى الآن و منها الفلاحة، و الصناعة، والسياحة، والصيد البحري والخدمات.
كيف يمكن أن نزيد من مداخلينا بالعملة الصعبة إذن؟
الجواب هو أن تكون هذه الزيادة عن طريق تنويع الاقتصاد و نتمكن من تطوير القطاعات الخمسة المذكورة كي نحقق الاكتفاء الذاتي، أولا بتطوير قطاعات الفلاحة و الصناعة و الصيد البحري و الخدمات ، ومن ثم تصدير المواد والمنتوجات و الخدمات من هذه القطاعات.
إذن ثاني تحدي هو التنويع الاقتصاد الذي نجد فيه كثيرا من الإيجابيات إذا نجحنا في الوصول إليه . ماهي منافعه ؟
- أولا: تنويع المداخيل بالعملة الصعبة ينتج عنه التقليص في نسبة تأثير قطاع المحروقات علي المداخيل عن طريق الانخفاض والارتفاع العشوائي في الأسعار العالمية للمحروقات، و ينتج عنه كذلك تسهيل التخطيط في مداخيلنا و مصاريفنا والوصول إلى خلق ثروة جديدة ومتجددة ونمو اقتصادي متواصل و مستدام .
- ثانيا: زيادة في الإنتاج و المداخيل من القطاعات المنتجة خارج قطاع المحروقات تُقلص استيراد نفس المواد و المنتوجات و الخدمات ومن ثم التوفير في مداخيلنا بالعملة الصعبة و استعمالها في صالح الاقتصاد الوطني.
- ثالثا: تصدير المواد والمنتوجات والخدمات من القطاعات المنتجة خارج قطاع المحروقات سيقلص من كلفتها محليا (مثل الاسمنت الذي تقلص سعره محليا بعد الشروع في تصديره ). وينتج عن تقليص في السعر المحلي أحسن تنافسية لهذه المواد والمنتجات والخدمات محليا و تحسين في القدرة الشرائية للمواطنين و توسيع تسويقها في الأسواق الخارجية.
رابعا: تنويع الاقتصاد يعني زيادة في مداخيل القطاعات الخمسة وبالتالي زيادة في مداخيل الضرائب والرسوم لخزينة الدولة التي هي أساس الثروة الجديدة و المتجددة والمتواصلة و المستدامة .
ومن أين سنأتي بالموارد المالية كي نواجه تحدي تنويع الاقتصاد بتطوير القطاعات الخمسة الفلاحة، والصناعة، والسياحة والصيد البحري والخدمات؟
كلما وصفناه من قبل يشير إلى أن خيار التنويع بكل ايجابياته يدل أنه استراتيجي وعاجل. ولكن تنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات الخمسة خارج المحروقات لا يأتي إلا بالاستثمار فيها بمستوى يمكّن الزيادة في إنتاجها و مداخيلها في المدى المتوسط والبعيد. فقضية الاستثمار إذن قضية مفصلية ومحورية للدولة يجب التطرق لها باستعجالية كأول تحدي للدولة.
عندما ننظر إلى مداخيل الدولة في الميزانية، نجد أن 60% منها من موارد قطاع المحروقات، و40% من القطاعات الاقتصادية الأخرى من ضرائب ورسوم.
الطريقة الأولى في زيادة الضرائب والرسوم، هي التحسين في تجميعها من طرف الهيئات المسؤولة عليها في وزارة المالية. إذن، يجب التقييم والتقويم لمداخيل الضرائب والرسوم وكيف نحسن في جمعها وهذا التحدي الذي يواجه الدولة.
والطريقة الأخيرة فى زيادة مداخيل الضرائب و الرسوم هي جمعها من المتعاملين في السوق الموازي.
و عليه، يجب على المتعاملين في السوق الموازي الذين لم يدفعوا الضرائب أن يدفعوها.
وكل هذا يشير إلى أنه يمكن الزيادة فى مداخيل الضرائب و الرسوم، ومن ثم الزيادة في مداخيل الدولة وإمكانيتها في الاستثمار.
تكلمت حتى الآن على ضرورة و فوائد تنويع الاقتصاد والتحسين في تسيير جمع الضرائب وكذلك الزيادة في المداخيل وجمع الضرائب من القطاع الموازي، ولكن هذا يمكن ألا يعطي ثماره في المدى المتوسط ويمكن ألا يكفي في زيادة مداخيل الدولة، فما الذي يمكن أن نقوم به على صعيد مصاريف الدولة كي نوفر أموال الدولة للاستثمار ونستعين بالاستثمار الأجنبي ؟
من جهة نعرف بأنه في السوق الموازي يتداول المتعاملون بالعملة الصعبة خارج النطاق الرسمي، ويتداول هؤلاء المتعاملون أيضا في هذا السوق بالأموال النقدية المخزنة في ديارهم ودكاكينهم، إذن فالتحدي الآخر للدولة هو كيف ندرج هذه الأموال في النطاق الرسمي لكي تقوي منظومتنا البنكية بالعملتين بالدينار والعملة الصعبة، وتستعملها في تمويل الاستثمارات سواء تابعة للدولة أو للقطاع الخاص.
من جهة اخرى، التحدي الآخر للزيادة في الاستثمار في البلد هو تحسين سياسة الجزائر تجاه الاستثمار الأجنبي، كي يساهم أكثر و نستعين به في مشاريعنا الاستثمارية.
و عندما ننظر الآن إلى مصاريف الدولة نرى أنها تصرف أموالها على دعم أسعار المواد الاستهلاكية والمنتوجات والخدمات من كهرباء، وغاز طبيعي، وماء صالح للشرب، وسكن، وتعليم وصحة، وأجور الموظفين والاستثمار تقريبا في كل المجالات والقطاعات، وكثير من المشاريع تنجز باستعمال القطاع الخاص الوطني.
إذن، لأن مداخيل الدولة محدودة كما هي الآن، وفي نفس الوقت تزداد مصاريف دعم الأسعار بزيادة عدد السكان ، فمصاريف الدعم ستؤثر سلبا على إمكانيات الدولة من الاستثمار، ولأن القطاع الخاص في الجزائر يعمل دائما تحت مظلة استثمارات الدولة، فمن أين ستأتي الزيادة في الاستثمار في الجزائر؟ ولاسيما تنويع الاقتصاد يتطلب استثمارات كبيرة كما أشرنا إليه سابقا.
كما سنبينه لاحقا، فسياسة دعم الأسعار المتبعة في الجزائر ستؤدي إلى زيادة مستمرة ودائمة لمصاريف الدولة في هذا المجال، لأنها ترتكز على دفع الفارق بين الأسعار المدعمة المنخفضة والكلفة الحقيقية لمادة أو منتوج أو خدمة، ويستفيد من هذا الفارق 42 مليون مواطن، وليس فقط الفئة الفقيرة. إذن الزيادة الدائمة في عدد السكان ستؤدي بلا شك إلى زيادة في مصاريف الدعم و تقلص من مصاريف استثمار الدولة .
ومنه، التحدي الآخر للدولة، هو التغيير في سياسة دعم الأسعار المتبعة في الجزائر، إلى سياسة الدعم المباشر والنقدي المتبعة في كل الدول الناجحة اقتصاديا، لأن هذه الأخيرة لها تأثير إيجابي على توفير مواردنا الطبيعية والمالية كي تُستعمل في الاستثمار وليس الاستهلاك و الوصول إلى ا أهدافنا المذكورة سلفا.
نرى من ردك أنه يجب التغيير فى كثير من المجالات بما فيها التغيير في سياسة (1) دعم الأسعار و (2) جلب الاستثمار الأجنبي و (3) معاملة الدولة تجاه السوق الموازي. كل هذا التغيير يتطلب جهدا كبيرا و طويل المدى . ماذا سيتطلب إذن من الدولة و المجتمع ؟
قرار التغيير في هذه السياسات يتطلب إجماع المجتمع حوله، وإرادة سياسية لتطبيقه في الميدان،كما ستتطلب جهدا في الدراسات، والقرارات والتنظيم والتسيير و المتابعة في المدى المتوسط..
ممكن تشرح لنا بطريقة بسيطة سياسة الجزائر لدعم الأسعار و كيف تختلف عن سياسة الدعم المباشر و النقدي لمستحقيه و ما هي الانعكاسات السلبية على الاستثمار و احتياطنا بالعملة الصعبة و العدالة الاجتماعية؟
سلبيات سياسة دعم الأسعار كثيرة منها:
- الزيادة في مصاريف الدولة وتأثيرها السلبي على استثمار الدولة، كما أنها تنعكس سلبيا على الأهداف المسطرة .
- السعر المدعم المنخفض لمادة أو منتوج أو خدمة في السوق الوطني لا يشجع المستثمر المحلي ولكن السعر العالمي لنفس المادة أو المنتوج أو الخدمة يشجع المنتج الأجنبي (مثل بودرة الحليب، إذن لم تخدم الأهداف المسطرة أعلاه ).
- السعر المدعم المنخفض للمشتقات البترولية يشجع استهلاكها بكثرة ( مثلا في سنة 2000 كنا نستهلك 20% من إنتاجنا النفطي ونصدر 80%، لكن في سنة 2018 صرنا نستهلك 40% من إنتاجنا النفطي و50% من إنتاجنا من الغاز الطبيعي، ولا نصدر إلا 50% منه ). إذن مع مرور الزمن سنصدر أقل وأقل من نفطنا وغازنا الطبيعي، وعليه سنربح أقل واقل من العملة الصعبة، ومداخيلنا بالعملة الصعبة ستتقلص مع مرور الزمن، مع زيادة في عدد السكان واستهلاكهم للمشتقات البترولية والغاز الطبيعي.
- الفئة الفقيرة من المجتمع لا تستفيد إلا من حوالي 25% من جملة النفقات على دعم الأسعار من طرف الدولة على أساس دراسة الهيئات الدولية، كالبنك العالمي، لذا يجب على سياسة الدعم أن تساعد بالأولوية الفئة الفقيرة من المجتمع.
كي نفهم أكثر هذه النقطة، والفرق بين سياستنا الحالية وسياسة الدعم المباشر، نأخذ مثالا عائلة تتكون من أب و04 أولاد، أحدهم فقير والبقية ميسورين، والأب هنا يمثل الدولة والأولاد السكان…
الأولاد يريدون شراء منتوج من دكان سعره 100 دج، وقرر الأب أن يساهم بـ 50 دج لكل واحد منهم، إذن سيساهم الأب بـ 200 دج، ولن يدفع كل واحد منهم سوى 50 دج، وحتى لو تقلص السعر من 100 دج إلى 50 دج لن يستطيع الولد الفقير دفعه.
هذه هي سياسة دعم الأسعار المتبعة في الجزائر ، ففي حالة تغيير سياسة دعم الأسعار إلى الدعم المباشر، سيدفع الأب 100 دج لولده الفقير فقط، وكل من الأولاد الثلاثة سيدفع السعر الحقيقي أي 100 دج. إذن الأب سيصرف فقط 100 دج في إطار هذه السياسة وسيوفر 100 دج بالنسبة إلى مصاريفه في إطار سياسة دعم الأسعار.
إذن بهذه السياسة، أي الدعم المباشر نقدا ، فالدولة توفر أموالا ستستعملها في الاستثمار، مثلا في التعليم والصحة.
وكي نفهم الموضوع أحسن، نستعمل أرقام الهيئات الدولية والتي تشير إلى أن الدولة تصرف 23 % من الناتج الداخلي الخام (هو يساوي حوالي 170 مليار دولار ) يعني حوالي 39 مليار دولار لدعم أسعار المواد والمنتوجات و الخدمات ، لكن فقط 25% منها ، أي 10 مليار دولار حسب هذه الهيئات تستفيد منها الفئة الفقيرة.
دعونا نفترض أن الفئة الفقيرة تتطلب ضعف المساعدة التي تستفيد منها الآن وهي ضعف 10 مليار دولار لسد كل احتياجاتها، يعني تدفع لها 20 مليار دولار كل سنة، فتطبيق الدعم المباشر سيوفر للدولة 19 مليار دولار سنويا، كي توجهه للاستثمار، ولكن ستقلص أيضا من معدل الزيادة في استهلاك المواد والمنتوجات، والخدمات المدعمة ولاسيما المشتقات البترولية التي نستفيد من مداخيلها بالعملة الصعبة ونشجع الاستثمار الوطني في هذه المواد والمنتوجات والخدمات،ونتوصل إلى أكثر عدالة اجتماعية .
ويمكن كذلك أن نقرر الدعم المباشر والنقدي لصالح الفئة الأخرى الموجودة ما بين 25 و50% في تصنيف السكان و لكن بأقل درجة من الدعم، أو حتى للفئة ما بين 50 و75% وكل هذا كي نطمئن بأن الحلول موجودة لسد احتياجات كل الفئات.
كيف نطبق الدعم المباشر النقدي ؟
أولا يجب إحصاء وتسجيل الفئة الفقيرة وتحيينها سنويا وتأكيدها على أساس معلومات موجودة في إحصائيات الضمان الاجتماعي، وفواتير الكهرباء والغاز و الماء وعلى أساس دراسات الدولة في هذا المجال و الهيئات الأممية.
يجب أيضا تقديم البرنامج للمجتمع المدني لتبادل الآراء فيه، والأخذ بعين الاعتبار انشغالات المواطنين في مجال التطبيق ولاسيما آليات دفع الدعم المباشر النقدي وميكانيزمات الحلول لأي خلل في تطبيقه محليا.
قلت بأن الخيار الوحيد اليوم في زيادة الاستثمار هو الاستثمار الأجنبي لأن التغيير فى سياسة دعم الأسعار و التغيير فى سياسة معاملة الدولة تجاه السوق الموازي ستأخذان وقتا كي تزيدان فى مداخيل الدولة و من ثم زيادة فى استثماراتها . إذن كيف نجني استثمارات أجنبية أكثر في الجزائر ؟ وكيف نحسن في جاذبية الجزائر للمستثمر الأجنبي ؟
أستفسر أولا لماذا الإستثمار الأجنبي؟
مثلما أشرنا إليه من قبل، فالاستثمار من طرف الدولة والمستثمر الوطني سيكونان محدودين، نتيجة محدودية المداخيل والسياسات المتبعة الآن و المرتبطة بدعم الأسعار و السوق الموزاي.
وفي هذا الإطار، فليس لنا اليوم أي خيار آخر في زيادة الاستثمار إلا بالاستثمار الأجنبي ولاسيما أننا نرفض اليوم في الجزائر أي مديونية خارجية.
فالاستثمار الأجنبي قليل جدا اليوم في الجزائر ولا يمثل إلا حوالي 01 مليار دولار سنويا، مقارنة بما يكسبه جيراننا والدول المشابهة، فالعقبات لجلب الاستثمار الأجنبي تتكون من محيط الاستثمار غير المحفز لرجال الأعمال الأجانب لأعلى درجة.
يجب أن نحسن من مرتبتنا الـ 154 من حيث محيط الاستثمار بين الدول ، ونكون ضمن 50 دولة الأولى في هذا المجال. مقارنة مع الدول الأخرى المشابهة اقتصاديا في معاملة المستثمرين الأجانب من طرف الدولة والإدارة المركزية والمحلية والبنوك، وبتسيير شفاف وبتسريع الاستجابة لمطالبهم.
لذا يجب القيام بتخطيط تأشيري ودراسات للمشاريع الاستثمارية وجمع معلومات ورقمنة هذه المشاريع، كما يجب أن تكون للبنوك العمومية الإمكانيات البشرية والتسيير اللازم لدراسة وتمويل المشاريع، كما أن خريجي التعليم الجامعي يجب أن يستجيبوا للمعايير الدولية، وأن يكون هناك تنسيق مع المتعاملين الاقتصاديين محليا في الجزائر، كي يتطابق تكوين المتخرجين مع احتياجات سوق التشغيل في المدى المتوسط.
كما يجب تعليم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية بعد العربية لأنها لغة العلم والمعرفة والتكنولوجيا والأعمال.
- يجب على سفاراتنا في الخارج أن تلعب دورها في زيادة التجارة والاستثمار وتطوير بنك المعلومات، يكون في متناول كل المتعالمين الجزائريين.
- يجب إنشاء بنك جزائري في الخارج كي يسهل عمل المتعاملين في الدول الأجنبية، ولاسيما منها الإفريقية.
- يجب أن نوجه اقتصادنا نحو إفريقيا كي يكون لنا سوق أكبر لمواردنا ومنتوجاتنا وخدماتنا ونحسن في تنافسيتنا في نفس الوقت في السوق المحلي والأجنبي.
- كي نربح السوق الإفريقي يجب تطوير الجنوب لأنه أقرب جيوغرافيا لهذا السوق، وله علاقات قديمة، بشرية، دينية وله موارد بشرية وطبيعية مهمة .
- يجب كذلك إنشاء منطقتين حرتين كي نجلب مستثمرين أجانب إليهما لتوفير فرص عمل ونقل التكنولوجيات وربح العملة الصعبة.
تكلمت على السوق الموازي الجزائري و كيف يمكن أن يساعد اقتصادنا اكثر بدفع الضرائب. هل يمكن أن تعطينا أكثر تفاصيل عليه و لماذا يجب إدراجه فى الاقتصاد الوطني و ما هي الإيجابيات لفعل ذلك؟
يشكل السوق الموازي نسبة عالية أقرب من 40% من الناتج المحلي الخام أي مايساوي حوالي 68 مليار دولار حسب المختصين في المجال، وهذا عالي جدا بالنسبة للسوق الموازي في دول أخرى، فالمتعاملون في هذا السوق لا يدفعون الضرائب وإن دفعوها فستكون ميزانية الدولة ومداخيلها المالية أحسن ممّا هي عليه الآن.
- أموال المغتربين الجزائريين التي ترسل إلى الجزائر لا تتجاوز2,4 مليار دولار، مقارنة بمغتربي المغرب، حيث يتجاوز ما يرسلونه 07 مليار دولار.
والعملة الصعبة يتداولها المتعاملون في السوق الموازي خارج النطاق الرسمي وبقيمة الدينار في هذا السوق تكون أقل من قيمتها في النطاق الرسمي، مما يساهم في المضاربة في سوق العملة الصعبة.
- فيه كذلك كميات ضخمة من الأموال النقدية مُكنّزة في الدكاكين وبيوت المتعاملين في السوق الموازي يستعملونها في تعاملاتهم التجارية أو الاستثمارية دون المرور على البنوك الجزائرية.
الحلول المقدمة هي:
- * دفع الضرائب من طرف المتعاملين في السوق الموازي كأي متعامل اقتصادي في الجزائر، و يتطلب منهم استعمال الفواتير وبطاقة الدفع.
- * فتح مكاتب الصرف تتداول بالعملة الصعبة كي تدفع الضرائب والرسوم على المعاملات فيها، كما يجب توحيد قيمة الدينار في السوق الجزائري وتكون على أساس السوق الداخلي للعملة الصعبة وفتح بنك جزائري في الخارج لامتصاص العملة الصعبة في الخارج ونقلها للجزائر.
- * إنشاء عملة جديدة للدينار بنفس قيمة الدينار الموجودة حاليا، وتغييره بالدينار القديم لصالح من يفتح حسابات بنكية أو عنده حسابات بنكية كي تدرج كل الأموال النقدية القديمة في الحسابات البنكية.
التغيير في سياسة معاملة الدولة تجاه المتعاملين في السوق الموازي سيكون له انعكاسات إيجابية على :
*الزيادة فى مداخيل الضرائب ودفع الضرائب في المستقبل من المتعاملين ومكاتب الصرف بالعملة الصعبة .
* الزيادة في مداخيل الدولة بالعملة الصعبة من المغتربين الجزائريين.
* تقوية البنوك التي تستسفيد من إدراج الأموال النقدية القديمة فيها والزيادة في إمكانياتها لتمويل المشاريع التنموية في الجزائر.
والخلاصة:
التغيير في سياسة دعم الأسعار إلى الدعم المباشر نقدا وفي سياسة معاملة المستثمرين الأجانب وفي سياسة التعامل مع المتعاملين في السوق الموازي سيساعدنا في الوصول إلى اقتصاد متنوع، ينمو بطريقة متواصلة ومستدامة بأقل واقل تأثير من تقلبات قطاع المحروقات، ويُمكننا الوصول إلى أهدافنا من توفير فرص عمل، والتركيز على الاستغلال الناجح لمواردنا البشرية والمالية و الطبيعية وتحسين القدرة المعيشية وحماية الفئة الفقيرة، وتحقيق فائض في ميزانية المدفوعات بالعملة الصعبة، وتلبية الاحتياجات المختلفة للدولة و المواطنين من استيراد المواد و المنتوجات و الخدمات حتى يتسنى لنا تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في المدى البعيد.
أخبار دزاير: كريم يحيى