أشار الكاتب والإعلامي الدكتور محمد بغداد إلى أن المؤسسات الثقافية الجزائرية مدعوة إلى التفكير في اعتماد آليات جديدة لترقية المشهد الثقافي لوضع حد لما وصفها بـ ” النخب المغشوشة”، وأكد في حواره لأخبار الجلفة أن كتابه ” سلطة المقدس … الإنسان والتاريخ في الخطاب الديني” امتداد لرؤيته وفلسفته الحياتية، فالثقافة ـ حسبه ـ هي ما يمكن أن يتركه الإنسان من خلفه، معتبرا أن فهم التحولات العميقة الحاصلة داخل التيار الديني وخارجه من شأنها أن تساهم في وضع حد للحروب والصراعات الدائرة إلى التأثير الإيجابي داخل المجتمع.
س/ يلقى كتابك رواجا كبيرا لدى الطبقة المثقفة في الجزائر، فكيف تفسر هذا الإقبال الكثيف من قبل القراء؟
ج/ أكون سعيدا إذا كان هذا الأمر صحيحا، ولكنه لا يلبي طموحاتي وتطلعاتي، لأنها تبحث عن مساحات النقد والمراجعة والنقاش، الذي يمكن أن ينتج عن تلك الطاقات الرهيبة التي تمتلك الأجيال الجديدة، وبالذات الطاقات الفكرية والفنية والإبداعية، التي تبقى موكلة إلى المؤسسات الثقافية، التي يكون من واجبها اليوم صناعة آليات ثقافية حقيقية، ترتقي بالمشهد الثقافي، وتضع حدا للنخب المغشوشة، التي كلفت بعربدتها الثقافة الجزائرية، الكثير من التكاليف الباهظة، التي لا تتحملها أرقى وأعتى الثقافات العالمية، وأن المواضيع التي أفكر فيها، وأكتب حولها، لست سوى تلك القضايا التي أعتقد أنها تشكل بمجموع تفاعلها، الهم الاجتماعي، والظواهر القائمة اليوم، والتي تتطلب الكثير من الجهد، للارتقاء بها إلى مستوى المعالجة المنطقية، التي تساهم فيها النخب الحقيقية، بعيدا عن الكوارث القائمة، حتى يمكن أن نصنع بها مستقبلا، يناسب حاجات الأجيال القادمة، لأن الثقافة في النهاية، هي ما يمكن أن يتركه الإنسان من خلفه، وليس ما يرثه ممن سبقه، وأنا دائما أطالب بالنقد والحوار والنقاش، في نهاية أي عمل أصدره.
س/ خلال تأليفك لكتاب سلطة المقدس، هل راعيت حساسية بعض الشرائح المحافظة مثلا أنصار الخطاب الديني، كون كتابك سلطة المقدس يشكل الأداة التدميرية لأغلب مقولات هذا التيار ؟
ج/ الكتابة في النهاية رؤية للحياة، وأقدس الممارسات الإنسانية، ومحاولة مساهمة في الارتقاء بالوعي الاجتماعي، عبر فتح الآفاق أمام الفئات الاجتماعية المكونة للمنظومة الاجتماعية الوطنية، وأظن أن الوقت الراهن، يتطلب الانتقال من زمن الخريطة الجزئية لهذه الفئات، إلى الحديث عن المجتمع، باعتباره ظاهرة تاريخية تتحرك كلية، وبصفة شاملة، ويتفاعل عبر الأنساق الاتصالية الحديثة، التي تتطلب عدم الاكتراث للمواقف الإيديولوجية، والابتعاد عن الدوغمائية والانعزال، وأن المواقف والانطباعات الرمزية، التي تمتلكها الفئات الاجتماعية، ما هي في النهاية إلا خيارات معيشية، قابلة لأي تغير، كونها نتيجة مفاهيم نظرية قابل للتبدل حسب معطيات الواقع وإكراهات التاريخ، وبخصوص التيار الديني فإني أعتقد أنه من الضروري فهم التحولات العميقة، التي تجري في محيطه وبداخله، وهي التغيرات التي يمكن تساعده، وتساعد المجتمع على الانتقال من مواجهة التيارات الدينية، والبقاء في دوائر الحروب الطاحنة، التي تدمر المجتمع، إلى ضرورة إيجاد صيغة تاريخية تعمل على دفع هذه التيارات إلى المساهمة بأفكارها، ومحمولاتها في الحركة التاريخية، التي ستساهم في انخراط المجتمع في المستقبل.
س/ كتابك صادر عن دار بهاء الدين بقسنطينة، هل فرضت عليك أي قيود أو أجريت تعديلات مهمة على الكتاب؟
ج/ لم أسمع بالقيود منذ أصدرت كتابي الأول، وإلى غاية اليوم، ولكن المشكلة لا تكمن في تلك القيود أو العراقيل، ولكن المشكلة تكمن أصلا، في كوننا في الجزائر، لم نصل بعد إلى مستوى يمكن تسميته بنشر الكتاب أو صناعته، وما هو موجود، مجرد عمليات طبع الكتاب، وأن الكتاب الجزائري، بالرغم من جودته العالية علميا وفكريا، إلا أنه بقى من أكثر أنواع الكتب في العالم، المحرومة من جودة الصناعة والتسويق، وأكثر من ذلك الترويج، فهو فاقد تماما للقدرة التنافسية الدولية، بمعاييرها المعتمدة في دنيا الناس، والغريب في الأمر، أننا مقبلون على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ولم نفكر بعد في كيفية الوصول إلى مستوى صناعة الكتاب، وامتلاك القدرات التنافسية للكتاب الجزائري، الذي سيعاني أكثر في المستقبل.
س/ كتابك لم يستهدف كافة القراء على كافة طبقاتهم وأعمارهم خاصة طبقة الشباب وهي الطبقة الأكثر تواجدا في المجتمع عندنا في الجزائر، فالكثير من المثقفين والكثير من الكتاب يتحملون جانبا من مسؤولية بعد الشباب عن القراءة لأن معظم الكتب التي تطرح في السوق تكون كتبا عميقة وكتبا فطرية وسياسية؟
ج/ لا أتفق مع من يذهب إلى الحديث عن المقروئية ومستوياتها، وهو حديث في الغالب نتيجة مزاج شعوري وعاطفي، لا يستند إلى أي قواعد أو أسس علمية، كوننا لا نملك إحصائيات أو استطلاعات للرأي العام، تفيدنا بمعلومات حقيقية عن واقع المقروئية، والفئات الاجتماعية، وعلاقتها بنشاط القراءة، إضافة إلى أننا لم نسمع يوما بحملة تحسيس أو توعية، من طرف المؤسسات الرسمية أو هيئات المجتمع المدني، للقيام بحملات تحسيسية، لدفع الفئات الاجتماعية القوية إلى الانخراط في النشاطات العامة للقراءة، مما يجعل المؤسسات الثقافية، تغرق يوميا في السطحية والابتذال، وتبتعد عن الأعمال الجديدة والاهتمام بالنشاطات المفيدة، وتقديم الخدمات القوية للفئات الاجتماعية المستقبلية، وبالذات الشباب الذي أظنه اصبح يمارس الكثير من النشاطات، ويقوم بأعمال معرفية أكثر بكثير من النخب القائدة اليوم.
س/ هل نتوقع كتابا يساهم في تفاعل القراء من جيل الشباب ويتحدث عن قضاياهم؟
ج/ اعتقد أن الحديث عن التفاعل في حد ذاته، أمر مهم جدا كوننا ننتقل بذلك من مستوى التعامل أو التأثير أو جلب الانتباه، إلى مستوى أخر يكون جديدا، وبالذات الذي يراهن على الانشغالات الجديدة، التي يتعامل معها الجيل الجديد من المجتمع، والمتمثل في الشباب، كون القضايا الدينية والحضور الطاغي للدين في تفاصيل الحياة اليومية، لهذا الشباب وانخراطهم القوى في هذه القضايا، سواء أكان ذلك بوعي أو بدونه، أو بإرادة جادة أو هيمنة مفروضة، يجعلنا أمام واجب التعاطي مع هذه الظاهرة، والمساهمة في خلق الفضاءات المناسبة للحوار والنقاش، والتعبير عن مكنونات النفس، والسماح للمخيال الاجتماعي لهذه الفئة، بالاشتغال على همومها، وإذا تمكنا من بناء تلك الخطوة، نكون قد حققنا انجازا كبيرا، بمنحنا الفرصة للأجيال الجديدة، بأن تساهم في صناعة مستقبلها، وبناء حاضرها بإرادتها.
س/ اليوم ما بين موقع تويتر للتدوينات القصيرة والصور فايسبوك يتابعك أزيد من 3,500متصفح للأنترنيت، كيف ساعدتك مواقع التواصل الاجتماعي للترويح لكتاب سلطة المقدس ؟.
ج/ التكنولوجيات الاتصالية الجديدة، ليست مجرد أدوات وتقنيات يمكن التعامل معها، واكتساب الخبرة والمهارة في استعمالها، ولكن المهم فيها حسب اعتقادي المفاهيم والمعاني، التي تكمن في الفلسفة التي تأتي في سياقها، وإن كانت غير ظاهرة للعيان، وغير سهلة للانتباه لها، إلا أنها تراهن على المخيال وكثافة اللاشعور في الإنسان، فهي تنقله من عالم تقليدي توارثه منذ حقب، وعصور طويلة وتضعه في مناخات وفضاءات جديدة، تعيد في النهاية من تعديل بنيته الشعورية والوجداني، التي سينتج عنها الهيمنة المسيرة، التي يمكن أن تجعل الإنسان محاصرا بها وفاقدا لإرادته، وإما أن يتمكن من التملص من هيمنتها الفلسفية والانتقال بها الاستثمار الذي يجعل من أهدافه، تكتسب القدرة على التواصل والانتقال بأقل التكاليف، وفي هذا الإطار فإن الاستفادة من الوسائط التكنولوجية، يمكن أن تمنح المبدع أو الفنان أو الكاتب من الاتصال السريع، بأكبر قدر من الفئات الاجتماعية، وبالذات تلك الفئات المنخرطة في عوالم الوسائط الجديدة، والتي يزداد عددها وتتكاثر ثقافتها فيها، وهنا يمكن الإشارة إلى التخلف الكبير الذي تعاني منه الثقافة الجزائرية، التي ترفض بعوائق معينة الانخراط في الفضاءات الاتصالية الجديدة، مما سيكلفها الكثير من الخسائر الجسيمة.
حاورته لأخبار الجلفة: رفيدة حنيش
(كتاب سلطة المقدس كتاب يحلل جذور المنظومة الفكرية و الإسلامية و يبحث في جذور الخطاب الديني… ننصحكم بقراءته )