نشأ الاتحاد الافريقي عام 2002 ليضم 55 دولة افريقية اليوم، مقرها “أديسا بابا” عاصمة إثيوبيا، خلفا لمنظمة الوحدة الافريقية المؤسسة عام 1963م.
انضمت المملكة المغربية للإتحاد الإفريقي متأخرة وحصلت على موافقة الانضمام عام 2017م بعد حركة دبلوماسية نشيطة رافقتها زيارات عديدة إلى دول إفريقية وإغرائها بمجموعة من المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات، وبعض التبرعات والاتفاقيات لاسيما في مجالات التعليم.
وللتذكير فإن انسحاب المملكة المغربية من منظمة الوحدة الافريقية عام 1984م كان بسبب قبول عضوية الجمهورية الصحراوية، والتأكيد على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، إضافة إلى ضغوط المنظمة على المغرب في التخلي عن أطماعها الترابية في دولة موريتانيا، وبذلك ارتاحت هذه الأخيرة من هول زعزعة الاستقرار المستمر من المغرب.
بقي تفكير المغرب ــ إلى اليوم ــ منحصرا في إعادة بعث المملكة المغربية ذات الحدود التاريخية الممتدة جغرافيا من المغرب الحالي إلى الصحراء الغربية وموريتانيا والسنغال وجزء من صحراء الجزائر، وذلك بالاستناد إلى عدد من الوثائق والخرائط القديمة في عهود خلت، ومن بين المؤلفات المغربية المفسرة لذلك كتاب (حقيقة حول الحدود المغربية) للمناضل السياسي المغربي “علال الفاسي” ومؤلفه الآخر الموسوم (منهج الاستقلالية) الصادر عام 1962م الذي أكد ذلك أيضا إضافة إلى عديد من مقالاته المنشورة.
ولو كان ذلك مطلبا فليكن مطلب المملكة العربية السعودية مثلا حول ضم كل دول الجزيرة العربية تحت إمرة الخلافة الإسلامية، ويسع لايطاليا المطالبة بحدودها عهد الامبراطورية الرومانية وما إلى ذلك من الأمثلة التي تبدو للعاقل أنها مطالب واهية غير مٌؤسسة ومٌغـــلّفة في مطامع توسعية.
ما وراء انضمام المغرب للإتحاد الافريقي؟
كما أسلفنا أن طلب المغرب في عضويتة للاتحاد الافريقي تأخر كثيرا، بل كانت آخر دولة افريقية تطلٌبه!، والسبب الحقيقي والمباشر لعدم الانضمام هو اعتراف الاتحاد الافريقي بالجمهورية العربية الصحراوية عضوا كبقية الدول وما هو إلا اعتراف صريح بسيادتها على أرض الصحراء.
كانت المغرب تتوكل على غيرها من الدول الافريقية لتكون صوتها وأعينها في الإتحاد الإفريقي، وساعدها في ذلك الضغوط الفرنسية على بعض من تلك الدول لاسيما دول المستعمرات القديمة كــالسنيغال وساحل العاج (كوت ديفوار) والكاميرون، لكن قدرة الدول العظيمة ليس في اختفاءها وراء المنظمات والدول الأخرى بل في المواجهة والمجاهرة مادامت ترى في مطالبها حقا مشروعا.
خلال المدة الممتدة ما بين عام تأسيس الإتحاد إلى غاية 2015م، رفعت قضية الصحراء الغربية ونوقشت على منابر الاتحاد كثيرا، ومن نتائج الجلسات الخائضة في القضية وتحديدا يوم 25 جانفي 2013 طالب الاتحاد ضرورة تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي، وصنف القضية في خانة تصفية الاستعمار. واعتبرت سنة 2015م من أنشط أعوام الاتحاد منذ النشأة بمبادرات دبلوماسية حثيثة لأجل قضية الصحراويين اعترضتها ظروف أمنية محيطة متمثلة بالخصوص بما جرى ــ ولا يزال ــ في منطقة الساحل لاسيما أزمة مالي ذاك الوقيد المشتعل.
رغم أن بعض الدول كانت صوت المغرب ضد القضية الصحراوية في الاتحاد الافريقي، إلا أن المعطيات الإقليمية الجديدة جعلت من القارة الافريقية الرجل المريض الذي أصيب بشتى أنواع المرض دفعة واحدة، فاعترضت النماء والتطور ومن أكثر أنواع المرض ضررا نذكر؛
ــ زيادة حالات التهريب (بشر، سّلاح، مخدرات، سلع مغشوشة)،
ــ أضحت القارة مرتعا للحركات الارهابية،
ــ الهجرة غير الشرعية (السّرية) نحو الشمال،
ــ زيادة التوتر الحدودي، النزاعات الداخلية ومطالب الانفصال.
كان لزاما على المغرب اعتماد مقاربة جديدة، وكان ملء الفراغ في الاتحاد الافريقي سياسة أمر واقع ومفروض. ما دعا المغرب للتفكير بجد للتحوّل في سياسته الخارجية، وعوض ترك الفراغ في مؤسسة دول افريقيا وجب ملؤه للدفاع عن أفكاره وما يراه في استرجاع الحقوق، وللوصول للمبتغى وجب أيضا أن تجعل لنفسها مكانة في عملية مواجهة المخاطر المهددة للأمن الافريقي، وقد كسب بعض منها من خلال إيجاد تحالفات جديدة على رأسها حليف رئيسي خارج حلف الناتو تلك التسمية التي تطلقها الولايات المتحدة الامريكية على حلفائها الإستراتيجيين غير المنتمين للحلف.
ساعد توقيت طلب انضمام المغرب للإتحاد بعض الظروف منها، لما أضحى شريكا في الأمن في إطار محاربة الإرهاب في إطار تحالف أمني دولي وإقليمي، ولما مد يد المساعدة لفرنسا حين تدخلها عسكريا في أزمة مالي، عزز بذاك تدخله أكثر في قضايا إفريقيا. إضافة إلى ظرف آخر مساعد بتوقع المغرب أن القيادة الجديدة للبوليساريو ــ بعد وفاة رئيسها “محمد عبد العزيز” في ماي 2016ـــ، ستتراخى عن بعض المطالب أو على الأقل أن تتسم بالمرونة في التفاوض لتسوية قضية الصحراء الغربية.
اعتٌــبــر السبب المباشر لانضمام المغرب هو في الدفاع عن نفسه وممتلكاته المزعومة “حدوده التاريخية” لاسيما أراضي الصحراء الغربية، فالانضمام سيعمل على استقطاب أكبر عدد من دول إفريقيا بطرق مختلفة، وبالانضمام والاستقطاب سيعمل على تحقيق الخطوة الأولى؛ المتمثلة في طرد الصحراء الغربية من منظمة الاتحاد الافريقي ولو بتعليق أم تجميد عضويتها، وقد ضم لحد الساعة الكثير من الدول المعارضة لوجودها بعدما سحبوا قبولهم لعضويتها وتراجعوا عن قرار كانوا قد أيدوه، مثل سحب تشاد لاعترافها بالجمهورية الصحراوية عام 2006م. وقد يعمل المغرب اليوم على التغيير في الشرط الأساسي لتجميد عضوية عدوته الأولى، إذ جاء في المادة الثلاثين من الميثاق التأسيسي للإتحاد أنه؛ “لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية المشاركة في أنشطة الاتحاد”، وبالتالي ذلك لا يعني جبهة البوليسارريو البتة.
وشروط طلب التعديل والمراجعة حسب ميثاق الاتحاد التأسيسي في مادته الثانية والثلاثين أنه؛ ” يجوز لأية دولة عضو تقديم مقترحات لتعديل أو مراجعة هذا القانون”، لكن لا يتوقف على الطلب وحده، بل تضيف المادة في جزءها الثاني على أن ” يتم إقرار التعديلات والمراجعة من جانب مؤتمر الاتحاد بالإجماع، أو بأغلبية الثلثين في حالة تعذر ذلك، وتقدم إلى جميع الدول الأعضاء للتصديق عليها وفقاً للإجراءات الدستوريـة لكل دولـة”.
من بين السيناريوهات المرتقبة أن تؤكد على طلب تعديل القانون الأساسي للإتحاد، وقد ترفعه دولة إفريقية أخرى أم مجموعة دول بإيعاز من المغرب (وللعلم سبق وطلبته). ومما تسعى له أيضا وتتوق إليه هو رئاسة الاتحاد الافريقي، لتزداد قوة وقدرة على استقطاب أكبر عدد من دول إفريقيا لصفها ولتمرير أهوائها، بعدما استطاعت كسبهم حتى تقبل عضوة في الاتحاد أولا، وفي سحب قبول عضوية الصحراء الغربية عضوا في الاتحاد ثانيا، وذاك بعد سلسلة من الحملات الدبلوماسية والاقتصادية غير المسبوقة. وستعمل أيضا ــــ حينها ــــ على التكتيم الكلي على القضية الصحراوية في الاتحاد الافريقي، فقناعتها بأن القضية الصحراوية قضية تعنى بها الأمم المتحدة دون سواها، إلا إذا ترأست الإتحاد فذلك ستجعل منه الطريق الشرعي لكسب القضية لصفها دون هوادة.
وما سعي المغرب للإنضمام إلا في مصلحة زيادة من التأثير على الاتحاد الافريقي في قضية الصحراء الغربية، وبالتالي على الأمم المتحدة ومنه على الرأي العام العالمي ومواصلة تعطيل القضية أكثر فأكثر، إلى وقت فرض شروطها في عملية التسوية والحسم، لكن ليس من السهل استغفال الجميع.
الاتحاد الافريقي وعودة القضية الصحراوية بعد نشوب أزمة “الكركرات“
تعتبر الكركرات منطقة عبور والتي تٌـعد المنفذ البري الوحيد للمغرب صوب العمق الإفريقي على حدود موريتانيا، حيث كلفت الأمم المتحدة بعثة المينورسو لمراقبتها منذ عام 1991م.
انفجار أزمة الكركرات بين المغرب وقوات البوليساريو (13 نوفمبر 2020)، بعد مناوشات عديد المرات في ذات المنطقة، لكن هذه المرة يصر البوليساريو على عدم التراجع للوراء في حمل السّلاح، غضبا على تحدي المغرب للقرارات الأممية من جهة وعدم احترامها لها، وغضبا من الأمم المتحدة المتماطلة في تحديد تاريخ أكيد لإجراء استفتاء تقرير المصير للصحراويين الذين سئموا الانتظار في احتقار لثلاث عقود متتالية دون بصيص أمل.
ما يرعب المغرب هو اعتلاء رئاسة الاتحاد الافريقي في فبراير 2020 “سيريل رامافوزا” من جنوب إفريقيا المعروفة بدعمها لقضية الصحراويين، وبـٌـعيــد أزمة الكركرات مباشرة طالب من المغرب الالتزام بالتسوية، والتأكيد على ضرورة تعيين مبعوث خاص جديد إلى الصحراء الغربية لإيجاد الحلول الناجعة.
يملك الاتحاد الافريقي بيده ما يمكن إجبار المغرب على حل القضية الصحراوية، من خلال مصادقتها على ميثاق الاتحاد التأسيسي الذي يلزم في أهدافه (بالدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، وتعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة (انظر المادة الثانية منه). كما أشارت المادة الرابعة المتعلقة بالمبادئ على الآتي؛
ــ احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال
– تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد بوسائل مناسبــة يقررها المؤتمر
– منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الدول الأعضاء في الاتحاد
ـــ حق الاتحاد فى التدخل فى دولة عضو طبقاً لمقرر المؤتمر فى ظل ظروف خطيرة متمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية
– حق الدول الأعضاء في طلب التدخل إعادة السلام والأمن.
ومن خلال ما جاء في أهداف ومبادئ الاتحاد الافريقي فإن المتفائل سيتأمل قدرة الاتحاد على تهدئة الطرفين، على الأقل بوقف استخدام السّلاح، في انتظار تنفيذ الاستفتاء حول تقرير المصير، وقد تفعّـــل مؤسسات الاتحاد وآلياته لمواجهة هذا التحدي الذي سيزيد من زعزعة استقرار القارة وساحل الصحراء وغرب إفريقيا تحديدا، بالمرافعة عن الحق في المحفل الأممي، وقد تتخوف الفئة المتشائمة من إشكال أكبر متمثل في الإطار الجمعي لدول الاتحاد الذين أضحت مواقفهم في تبدل وتغير مستمر لمصالح معينة، والتي قد لا تكون مدروسة.
ومع كل ما تنص عليه النصوص القانونية والمواثيق الدولية إلا أن العبرة في الخواتيم والتنفيذ السليم والعادل للأحكام المتفق عليها بعدالة ونزاهة.
ونختم مقالنا بتساؤل قد يطرح سيناريوهات جديدة للوضع المتوثر؛ هل سيواصل المغرب نضالاته في الاتحاد الافريقي أم سيعلن الملك “محمد السادس” انسحابه كما أعلن والده “الحسن الثاني” انسحابه من منظمة الوحدة الافريقية في زمن مضى ولذات السبب؟
بقلم أ.د نبيلة بن يوسف