مقدمة:
إن عرفت السياسة الخارجية الجزائرية تراجعا خلال العشرية الحمراء (1992 إلى 2002) من جراء تسلط الإرهاب، إلا أنها بدأت تعود بالتدريج للساحة العالمية، وقد كانت مرحلة الرئيس الأسبق حافلة بالنشاط الدبلوماسي في إطار استرجاع المكانة من خلال تعزيز أواصر الود والتعاون والتعامل مع دول كثيرة على رأسها دول الجوار الاقليمي في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني والدعم المالي، ولا يمكن حصر قوائم العطاء الجزائري منذ بداية الالفية الجديدة فماذا لو قلنا العودة لقوائم ما قبل سنة 2000م، والحديث عن النشاط الدبلوماسي خلال سبعينات القرن المنصرم والذي يعتبره المحللون في عالم السياسية والعلاقات الدولية العشرية الذهبية في السياسة الخارجية الجزائرية من خلال التحركات الدبلوماسية النشيطة في سبيل تحرر الشعوب الافريقية من نير الاستعمار في مبادرات فردية وأخرى في ظل مجموعة 77 و حركة عدم الانحياز والمنظمة الافريقية. ولعل أبرز الوقفات السياسية التي لا تنسى لها هي عملية مسح ديون 14 دولة افريقية (902 مليون دورلا)، وعطايا مختلفة لاسيما أوقات الأزمات العصيبة منها الهبات للجارة القريبة تونس. وبذلك فهي تتأرجح بين الدور الكلاسيكي للدبلوماسية (الأمني) والدور الجديد (التعاون والتبادل الاقتصادي).
تميزت السياسة الخارجية بالنشاط الدبلوماسي في محاولات حثيثة لزرع الأمن والآمان في منطقة الساحل السابحة على حمم من الغضب الاثني والعرقي، وذلك من خلال سلسلة من الطرق منها مبادرات فردية وأخرى جماعية؛ لقد انخرطت أولا في مبادرة الساحل لمكافحة الارهاب عام 2005م، لمواجهة التحديات الأمنية بأشكالها المختلفة (إرهاب، هجرة غير شرعية، اتجار بالمخدرات والبشر…). ونشاط دبلوماسي حافل في وساطاتها في حلحلة أزمة مالي مع الطوراق، وفي حلحلة الأزمة الليبية ولازالت كذلك مبادرة دون هوادة. ومساهماتها في توقيف شرارة الحروب الحدودية منها الحرب بين ارتيريا وإثيوبيا.
مكابح طموحات السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا السمراء
لم تعرف دول القارة السمراء هدوء نتيجة التكالب العالمي عليها (تحديدا الأوروبي والصيني والأمريكي)، بل وأضحى يشغل فكر دول أخرى لم تكن لتهتم في وقت مضى بها، فقد بدأ الاهتمام التركي بإفريقيا بدايات القرن الجديد لما نظمت القمة التركية ـ الافريقية تحت شعار “القرن 21 قرنا افريقيا”، وتجعله بذاك قرنا إفريقيا للدبلوماسية التركية. وهاهي أزمة الصحراء الغربية تعود مجددا بشدة من خلال أزمة الكركرات، ناهيك عن مجموع المهددات الأمنية المحيطة بالجزائر من خلال حدودها الممتدة بين ستة دول إفريقية؛ أزمة ليبيا وفوضاها العارمة وانتشار السلاح وتنقله، وأزمة مالي الممتدة في الزمن، ومختلف أزمات ساحل الصحراء التي تترك آثارا بليغة على الجزائر أمنيا في ظل النوايا العدوانية لدى بعض، ويستدعي التهديد الأمني تقوية للجيش وللمعدات الحربية وبذلك الى أموال كثيرة ترصد لحماية الحدود الطويلة الممتدة جغرافيا.
لــكسب الرهان:
إن عملية التركيز على دراسة النظام الإقليمي الفرعي في جميع تفاعلاته الاقتصادية والسياسية والأمنية بين دول المنطقة أمر في غاية الأهمية، للانطلاقة السليمة في بناء مستقبل دبلوماسي عظيم. ووجب استغلال المحيط الاقليمي المكهرب والمتأزم في صالح الحيوية الدبلوماسية الجزائرية إذا ما عرفت استثمار الوضع بطريقة ذكية حتى تبقى فاعلا اقليميا محوريا.
وكالة التعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية (ALDEC) أداة الدبلوماسية الجديدة :
تعزز الجزائر سياستها الخارجية بالقوة الناعمة في إنشائها لوكالة “التعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية” بتاريخ 12 فبراير 2020م من خلال مرسوم رئاسي بعد إعلان استحداثها من طرف الرئيس “عبد المجيد تبون” في خطاب لدى قمة المنظمة الإفريقية، بغية بعث نفس جديد للعمل الدبلوماسي من خلال تمويل مشاريع في قارة افريقيا تحديدا في دول الجوار الاقليمي، وبذلك هي تطفىء شمعتها الأولى.
بعد عام من الإنشاء:
من أبرز الصلاحيات والمهام الموكلة للوكالة جاءت في المادة الرابعة من المرسوم المذكور؛ بإعداد سياسات التعاون في سلسلة من المجالات في المجال الاقتصادي الذي يعنى بتمويل المشاريع الهامة والتبادل التجاري والتضامن الإنساني، وفتح أبواب التعليم بكامل فروعه للإخوة الأفارقة أكثر مما مضى في اطار التنمية المنشودة.
بعد أقل من سنة من ظهور الوكالة تتحرك حمم بركان هادئ أو بالأحرى صامت (قضية الصحراء الغربية)، وفي الوقت ذاته تحرك دبلوماسي مغربي نشط ومدعوم ومسنود من قوى لا يستهان بها عالميا بل ومن دول إفريقية استطاع تأليب مواقفها، استدعى في المقابل نشاطا دبلوماسيا جزائريا ترأسه وزير الخارجية “صبري بوقدوم” في سلسلة من الزيارات (جنوب إفريقيا، كينيا، والكونغو، وجمهورية لوسوطو، وأونغولا والسودان…)، وإرسال مساعدات لتونس ولغيرها من دول إفريقية كلما اقتضت الحاجة.
والحقيقة أن النشاط الدبلوماسي الجزائري ما كان ليتحرك في هذه الآونة بهذا الشكل الفائق لولا المستجدات على رأسها ملف الصحراء الغربية تلاها تطبيع بعض دول الإفريقية مع اسرائيل علنا منها المغرب (غرب الجزائر)، وقد سبقتها في ذلك دول من القرن الإفريقي والسودان (الجنوب الشرقي) وبعض دول الساحل (جنوبا) بذلك الجزائر محاطة ومحاصرة بأصدقاء ” إسرائيل”.
الظروف المحيطة جعلت الدبلوماسية تنشط، لكن ليس في المنظور المنتظر من الوكالة، والملاحظ من خلال ما يتوفر من معلومات أن المشاريع المنطلق فيها شحيحة جدا، من الأسباب المتوقعة نورد”
ــ قد تعود لبطء عمل الوكالة في دراسة المشاريع،
ــ لقلة الأموال المرصودة للوكالة ــ وهي أقل ما يمكن التفكير فيه ــ،
ــ للمنافسة الشديدة التي قد تعترض الخدمات المقدمة من طرف الوكالة، وهي الأقرب إلى المنطق في ظل منافسة جريئة طموحة للتقرب أكثر من دول افريقيا ولكل منها مساعيها ومصالحها. وليس الأمر متعلق فقط بالدول المعروفة من أوروبا أو أمريكا أو حتى الصين في سبيل تعبيد طريق الحرير، بل المملكة المغربية هي الأخرى أضحت منافسا يحاول بشدة استغلال غبن بعض دول افريقيا وحاجتها حتى يحقق مآربه في ظل الأزمة الجديدة “الكركرات” وما انجر عنها من مخرجات، وهو موضوع مقالنا القادم (الجزائر/ المغرب من السباق نحو التسلح إلى السباق الدبلوماسي).
بقلم: أ.د نبيلة بن يوسف