جدّد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق “السعيد شنقريحة” تأكيده خلال زيارة العمل والتفتيش للناحية العسكرية الرابعة قبل أيام أنّ الجزائر سعت ولا زالت تسعى انطلاقا من مكانتها كدولة محورية في المنطقة إلى دعم جميع المبادرات الدولية الرامية إلى إعادة الأمن والحفاظ على استقرار دول الجوار، هذا ما يجعل لها دورا محوريا بالمنطقة المغاربية والساحل الإفريقي وبه ينتظر منها الكثير وعلى عاتقها مهمة متعددة المصاعب بل تتطلب جهدا تتشارك فيه عديد الجهات حسب ما ذهب إليه المهتمون بالوضع الأمني بالمنطقة ومنهم الدكتورة ” صبرينة جعفر ” المختصة في شؤون الأمن وسياسيات الدفاع في حوار لها مع “أخبار دزاير”.
وأوضحت الدكتورة ” صبرينة جعفر ” أنّ خطاب رئيس أركان الجيش اولطني الشعبي يحمل أكثر من دلالة ورسالة عن الدور الإقليمي والريادي الذي تلعبه الجزائر، وأنّ مبادرة الجزائر تبقى على عقيدة التمسك بقيم التعددية على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة سواء في جهودها لتعزيز الحلول السياسية والسلمية للأزمات في جوارها (ليبيا ومالي والساحل الافريقي والصحراء الغربية) وكذلك في مبادراتها العديدة الهادفة إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وحتى القاري، خاصة في ظل الوضع على الحدود و ماله من آثار وتداعيات خطيرة عن أمن الجزائر خاصة مع تنامي وتمدّد ظاهرتي الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، كما ترى في ذلك على وجوب الاستعداد القتالي والتحضيري للأجهزة الأمنية وخير دليل على ذلك المناورات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية من حين إلى آخر لمحاكة ومحاربة الظروف الملائمة التي يتغذى منها الإرهاب خاصة في الحواضن التفريخ…
و أكّدت أنّ هذا الوضع يؤهل الجزائر على التمسك بالدور المحوري أمام دول الجوار اللّيبي المساعد على إيجاد حل سياسي شامل من خلال الاعتماد على الحوار الشامل كسبيل وحيد لتحقيق السلام في ليبيا وضان وحدة أراضيه، وهذا من خلال موقف الجزائر ورؤيتها لحل الأزمة في ليبيا المبني على الوقوف على مسافة واحدة بين الفرقاء. كما ترى الدكتورة أن الجزائر من خلال دعمها إلى كل المبادرات السلمية لحل الأزمات الإقليمية عن طريق الحوار السلمي والتفاوض ولا تحبذ استمرار عملية الحسم العسكري حتى لا تجد نفسها مجبرة على الانخراط في لعبة المحاور الإقليمية والدولية وتعقيدات التحالفات الداخلية الليبية بتأييد طرف على آخر بمقتضى موازين القوة لتبقي الحريق الليبي داخل ليبيا حماية لحدودها وحفاظا على أمنها.
وبخصوص دول الجوار، فشددت الدكتورة صبرينة جعفر على أنّ بيدها مفتاح حل الأزمة في ليبيا من خلال دعمها لمسار الحوار السياسي، إضافة إلى دور الدبلوماسية الجزائرية التي تتحرك وفق خطوات واضحة في التعاطي مع القضايا الاقليمية لإدراكها أن تسريع الخطوات تمليه تطورات المشهد بعدما خيم شبح الحرب المدمرة على كل المقاربات، خاصة وأنّ دول الجوار معنية بشكل كبير وحساس بضرورة تجنيب ليبيا سيناريو التدخّل لأنه يعني انفجار الوضع الإقليمي، موضحة في الخصوص أنّ مهمة الجزائر ترفض التعامل مع تنظيمات أو شخصيات غير رسمية أو تتمتع بأدوار مشبوهة أو مرتزقة على غرار المشير (خليفة) حفتر، لكون حسابات الواقع الاستراتيجي تقتضي ضبط النفس أكثر من إظهار اصطفاف الجزائر مع أحد المعسكرين.
وأشارت في ذلك إلى أن الجزائر قدّمت أكثر من أي بلد آخر لدعم هدف تحقيق الأمن والسلام في المنطقة وكذا المساهمة بنشاط في حلّ النزاعات في المنطقة وخاصة في مالي؛ إذ جرى توقيع كل الاتفاقات السابقة في الجزائر العاصمة وحاليًا تستضيف الجزائر أكثر من 30 ألف لاجئ، وتبرعت بأطنان من الأغذية والأدوية لمخيمات أخرى في موريتانيا والنيجر.
“منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي تحوّلت ليبيا إلى مستنقع دموي وكابوس مرعب في المنطقة”
وانطلاقا من أن هذه الإرادة تتطلب بذل المزيد من الجهد في سبيل سلامة الوطن، من هنا كان على الجزائر إعداد أرضية لردع التهديدات والحفاظ على سلامة ترابها، هذا ما نستشفه من التصريح الناري الذي وجهه رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي مؤخرا خلال زيارة عمل وتفتيش قادته إلى الناحية العسكرية الرابعة بورقلة بالقول “ومن هنا فإننا نحذر أشد التحذير هذه الأطراف وكل من تُسول له نفسه المريضة، والمتعطشة للسلطة، من مغبة المساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية، وليعلم هؤلاء أن الرد سيكون قاسيا وحاسما”.
و في ذلك تقول الباحث في الشؤون الأمنية “جعفر صبرينة” أنّ ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي تحوّلت إلى مستنقع دموي وكابوس مرعب في المنطقة، لاسيما بالنسبة لدول الجوار ومنها الجزائر على خلفية انتشار وتنامي خطر الجماعات الارهابية وتمدد تنظيم “داعش” داخل الفضاء الليبي وتوجيهه لتهديدات مباشرة لاستهداف الجزائر، خاصة أنها تدرك جيدا أن ما يحدث في هذا الوقت، حيث رفعت فيه السلطات الجزائرية من جاهزية وانتشار القوات المسلحة عبر الحدود لصد أيّ اعتداءات محتملة.
ولتوضيح ما يجري على الحدود الليبية الجزائرية والتهديدات الأمنية التي يشكلها الانتشار الرهيب للسلاح تقول الباحثة جاءت رسالة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة على أن الجزائر لن تقبل أي تهديد أو وعيد من أي طرف كان، مدعمة ذلك بما أكّده رئيس أركان الجيش في كلمة له خلال إشرافه زيارة عمل وتفتيش إلى الناحية العسكرية الرابعة على الحدود الليبية ، حيث قال في كلمته أنّ ” الجزائر، لا ولن تقبل أي تهديد أو وعيد، من أي طرف كان، كما أنها لن ترضخ لأية جهة مهما كانت قوتها، ومن هنا فإننا نحذر أشد التحذير، هذه الأطراف وكل من تُسول له نفسه المريضة، والمتعطشة للسلطة، من مغبة المساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية. وليعلم هؤلاء أن الرد سيكون قاسيا وحاسما، “.
كما أكّدت الباحثة في لقائها بأخبار دزاير على أنّ الرسالة واضحة المعالم إلى كل الأطراف التي تدعم وقد دعّمها بمناورات “نصر 2021” عند الحدود الليبية على هامش زيارته إلى الناحية العسكرية الرابعة، وهذا إن دلّ فعلى جهازية قوات الجيش الشعبي الوطني لصد أي هجوم أو تهديد يمس بالجزائر بما ويضمن تحسين وترقية الأداء العملياتي والقتالي لكافة تشكيلاته ومكوناته ليكون قادراً على رفع كافة التحديات، بل ترى في ذلك ما يعزر المقاربة التي تبنتها المؤسسة العسكرية لمواجهة التهديدات القادمة من الحدود، وعلى أن الجيش الجزائري يتابع الملف الليبي باهتمام فعلي منذ سقوط نظام معمر القذافي وليس الآن، وهذه المتابعة تترجم عبر التجهيز العسكري على الشريط الحدودي…
“ما يهم الجزائر رفض الخيار العسكري في تسوية النزاعات والوصول إلى حلولٍ سلمية من شأنها ضمان الأمن غير المنقوص للدول المحيطة بها”
إن العنصر العسكري يدرك جيدا ما يحيط ببلد الجزائر من مخاطر وتهديدات، وبالمقابل هناك تفاقم أكثر فأكثر بسبب التنافس الدولي على النفوذ بليبيا، وهو ما أزّم الوضع الأمني الإقليمي المتدهور أصلا، فللخروج من ذلك تقول الدكتورة صبرينة جعفر المختصة في شؤون الأمن وسياسيات الدفاع
أنّه بالأكيد يُدرك العسكري المخاطر المحدقة بالجزائر داخليا وخاصة خارجيا، ولعل مناورة الجزائر وتصريحات رئيس أركان الجيش اولطني الشعبي السعيد شنقريحة جاءت في توقيت مهم ورسائل إحداها لحفتر وأنها في نفس الوقت تحمل رسائل لجهات في ليبيا.
وفيما يخص الموقف الجزائري ترى الدكتورة أنّه يُشكل تأكيدا صريحا على وقوف الجزائر وجيشها ضد أي مغامرات جديدة لحفتر للسيطرة على طرابلس، وأمام التحركات للمساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية وتحشيده لقطع الطريق على التعاون والدعم الجزائري في ظل بداية حملة الانخراط في عمليات حفظ الحدود ومنع تدفق المرتزقة وتضيق الخناق على العناصر الإرهابية التي دعت إليها برلين2…
وأضافت الباحثة في الشؤون الأمنية ” صبرينة جعفر ” إن الجزائر تبرز اليوم كوسيط لا غنى عنه من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا والساحل الافريقي والمنطقة المغاربية، ففي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة أكثر فأكثر من انعدام الأمن والتدخل الخارجي والاستقطاب ما فتئت الجزائر وفي فترات مفصلية تشجع على الحوار وبناء الدولة كأفضل السبل لإخراج جيرانها من أزماتهم ومن ثم ضمان أمنها على المدى البعيد، هذا ما ذهلت إليه الباحثة في تحليلها للوضع، مضيفة على أنّ هذا شكّل ما يسميه البعض “عودة” الجزائر إلى معترك السياسة الإقليمية بعد غياب مدى سنوات تسعينيات القرن الماضي، وشكّل أيضا تحوّلاً إيجابياً على أكثر من صعيد؛ فمقاربتها الداعية إلى إشراك كل الأطراف وإلى التوافق لتحقيق الاستقرار في بلدان الجوار والتي تحركها المصلحة الجماعية المستنيرة تعد بمثابة فرصة للنظام الدولي الذي يواجه صعوبات جمة للتعامل مع التحدّيات التي أفرزتها ما سمي بالثورات العربية.
وما يهم الجزائر وفق تحليل الباحثة في الشؤون الأمنية، هو رفض الخيار العسكري في تسوية النزاعات والوصول إلى حلولٍ سلمية من شأنها ضمان الأمن غير المنقوص للدول المحيطة بالجزائر تستمد هذه المبادئ قوّتها من الثقل الجيوسياسي والجيوستراتيجي الذي تتمتع به الجزائر بحكم الأصول الجغرافية والعسكرية والبشرية والدبلوماسية التي تتمتع بها، مضيفة أنّ ذلك انعكس على قرارها المحوري في القضايا الأمنية الإقليمية، وعلى أنّ الجزائر تمتلك عقيدة عسكرية قائمة على شقين؛ الأول منه دفاعي والآخر قتالي، موضحة في السياق أنّه يجب التمييز بين الدفاعي والقتالي بحساب أن قرار العقيدة الدفاعية للجيش هو شأن السياسيين الذين يقرّرون وضع البلاد والتعاملات الخارجية مع دول الجوار، وطبيعة المخاطر المحتملة ووسائل الدفاع المصممة لهذا الخصوص، خاصة أن يضمن الدستور الجزائري أمن البلاد الإقليمي بريًا وبحريًا وجويًا، ويضمن الموافقة على قراراتٍ من شأنها حماية حدود البلاد وتسوية النزاعات الأمنية الداخلية والخارجية بالطرق السلمية.
وفيما يخص التعديلات التي تضمنها دستور أكتوبر 2020 ، ترى الباحثة “جعفر صبرينة” أن هذه التعديلات قد وضعت مسألة التدخل الخارجي رهن موافقة البرلمان، وعلى أنّ الجزائر تتجه نحو تدعيم آليات دفاعية جديدة قائمة على تفادي ضغط القوى الغربية للتدخل في النزاعات المجاورة من خلال وضع موافقة البرلمان شرطًا أساسيًا للتدخل من عدمه، في حين تقول أنّ الجزائر تُبقي على البدائل السياسية والدبلوماسية لحل النزاعات في الدول المجاورة، لكن ما يقلق هو الضغط المستمر على الجسم السياسي والدولتي الجزائري للتدخل عسكريًا في النزاعات الإقليمية والذي واجهته بوضع البرلمان في خط أمامي مقابل للضغوط الدولية بالتحرّك العسكري سواءً بالعمليات أو التخطيط، مشيرة أنّ تلك التعديلات سهّلت وضع البنية السياسية الجزائرية في وضع الراحة لمراجعة الخيارات الاستراتيجية التي تضمن إبعاد الجزائر عن أتون حرب ونزاعات مع الدول الجيران وتضمن أيضا قوّة الحجة التي تعتمد عليها الجزائر بخصوص الدول المجاورة والقائمة على الحل السلمي، منبهة إلى أنّه في أسوأ الحالات يسمح الدستور في هذه الحالة للجيش الجزائري بالمشاركة في عمليات حفظ السلام تحت مظلة دولية أو مشاركة إقليمية باتفاق جامعة الدول العربية أو الاتحاد الإفريقي، تقدم من خلاله الجزائر دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا، وليس تدخلًا عسكريًا بتصوّره التقليدي…
أخبار دزاير: بوبكر سكيني