المتابع للشأن الإقليمي بشمال إفريقيا يُدرك ما تسجله الدبلوماسية الصحراوية من مكاسب متنامية في حشد الدعم والتأييد الدولي، فما يميّزها تحقيق ذلك الاعتراف الدولي بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على أعقاب مواقف عبّرت عنها عدّة دول داعمة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير تتوّجها حضور بعثات دبلوماسية صحراوية بعديد دول المعمورة ناهيك عن التواجد الواسع لممثلين عن جبهة البوليساريو على مستوى عديد المحافل القارية والدولية المنتشرة عبر ربوع العالم…
فعلى الرغم من مناورات نظام مملكة المغرب باعتماده “شراء الذمم ” إلاّ أنها أثبتت يأسها، خاصة مؤخرا، من خلال ما قام به نواب أوروبيون بشكل صوري لمحاكمة علنية للنظام المغربي في مؤتمر البوليساريو، منددين بسياسة شراء الذمم التي يقوم بها من أجل ضمان صدور قرارات تخدم مصالحه التوسعية بما يسميه ويطلق عليه مسمى ” فرض السيطرة على الأقاليم الجنوبية”.
و كشفت حيثيات التصويت إدانة نظام المخزن المغربي بسب انتهاكاته لوضع حقوق الإنسان بالأراضي الصحراوية، وتكميم حرية التعبير، وفي التضييق على ممارسة الصحافيين لدورهم الإعلامي، ناهيك عن سجنهم دون مبررات قانونية، وفي الكشف وإدانة الأطراف التي تخدم مصالح النظام المغربي داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وكذا تلك الجهات الرسمية والمستأجرة التي تعمل على استعداء الجزائر وضرب مصالحها ومحاولة الإضرار بها.
الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية حكيم غريب :
“ الالتفاف حول ضرورة تسريع عملية إنهاء الاستعمار في آخر مستعمرة بالقارة العجوز تحت إشراف الأمم المتحدة يشكّل ذلك ضربة قوية للدعاية والتضليل المغربي”
والراصد للقضية يدرك جيدا أنّ سنة 2022 أبانت عن انتصارات متتالية على الصعيدين الدبلوماسي والقضائي للقضية الصحراوية على الرغم من سعي المغرب المتكررإلى إنكار حقيقة نضال هذا الشعب الحر لأجل استرجاع حقه المشروع في تقرير المصير وبسط سيادته على أرضه، هذا ما أكّدته مخرجات الندوة السادسة والأربعين (46) لـ “التنسيقية الأوروبية للتضامن مع الشعب الصحراوي” ببرلين، ناهيك ما جددته العديد من الدول أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار من خلال موقفها التاريخي من النزاع في الصحراء الغربية ودعوتها إلى ضرورة تسريع عملية إنهاء الاستعمار في آخر مستعمرة بالقارة العجوز تحت إشراف الأمم المتحدة، مما شكّل ذلك ضربة قوية للدعاية والتضليل المغربي.
ووُقوفاً عند هذه الانتصارات المتتالية، نجد أنفسنا أمام تساؤل عن كيفية تقييم عمل ونشاط دبلوماسية جبهة البوليساريو؟ ، إذ يرى الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الأستاذ الدكتور “حكيم غريب” في تصريح لـ ” أخبار دزاير ” أنّه من خلال متابعة نشاط الدبلوماسية الصحراوية نتعرف دائما عن الانتصارات العديدة على الصعيدين الدبلوماسي والقضائي للقضية الصحراوية رغم سعي المحتل المغربي إنكار حقيقة هذا الشعب ونضاله من أجل حقه المشروع في تقرير المصير وبسط سيادته على جميع ربوع الجمهورية الصحراوية، مضيفا كلمة أبناء الشعب الصحراوي اتّحدت في التصدي للاحتلال المغربي ومؤامرته لتكريس مطامعه التوسعية وفرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، كما التفوا حول ممثلهم الشرعي والوحيد “جبهة البوليساريو” في مسيرة ظفروا في إطارها بالكثير من المكاسب النضالية.
“ على الاتحاد الإفريقي بأن يتحمّل المسؤولية بموجب القانون الدولي لإيجاد حلّ دائم للاحتلال وضمان التمتّع بالحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي وعدم القيام بأيّ شيء من شأنه الاعتراف بأنّ هذا الاحتلال – شرعي- أو الاعتراض على التمتع بهذا الحق “
وأوضح الأستاذ الدكتور “حكيم غريب” أنه سنة 2022 شهدت قفزة دبلوماسية للقضية الصحراوية تضاف لقائمة المكتسبات الدبلوماسية الصحراوية التي حققتها جبهة البوليساريو على المستوى الأممي، خاصة ترسيخ قضية النزاع في الصحراء الغربية باعتبارها قضية تصفية استعمار، وعلى المستوى الأوروبي لاسيما في خضم المعركة القانونية لحماية ثروات الشعب الصحراوي من النهب، هذا بالإضافة إلى قرار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الصادر شهر سبتمبر من نفس السنة والذي تضمن دعوة لجميع الدول الأطراف في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والبروتوكول الخاص بهذا الميثاق وكذا جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بأن “تتحمّل المسؤولية بموجب القانون الدولي لإيجاد حلّ دائم للاحتلال وضمان التمتّع بالحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي وعدم القيام بأيّ شيء من شأنه الاعتراف بأنّ هذا الاحتلال – شرعي- أو الاعتراض على التمتع بهذا الحق”.
وأضاف الدكتور “حكيم غريب” أن الدبلوماسية الصحراوية نجحت في تحقيق مكاسب كبيرة على رأسها انتزاع الاعتراف الدولي من طرف أزيد من ثمانين (80) دولة في إفريقيا، الأمريكتان، أوروبا، آسيا وأوقيانوسيا، إلى جانب كونها عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي، مما يجعلنا نقول أن الدبلوماسية الصحراوية استطاعت استقطاب أكبر حركة تضامنية دولية تستنكر الاحتلال المغربي للأراضي الصحراوية وتندّد بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستنزاف الثروات الصحراوية التي تعود ملكيتها للشعب الصحراوي.
“وجوب تبنّي استراتيجية مبنية على ثلاثة أبعاد أساسية: دبلوماسية نشطة، ويقظة أمنية مستمرّة، وجبهة داخلية مستقرّة، خاصة أمام التقارب الخطير التي يشهده المخزن مع الكيان الصهيوني”
شدد الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الأستاذ الدكتور “حكيم غريب” أن الاكتساح للميدان الدولي للقضية الصحراوية حقق للشعب مكاسب سياسية كثيرة، وهي إشارة على نجاعة النشاط الدبلوماسي الصحراوي المكثف والميداني والذي شكّل “ضربة قاضية” لمناورات المخزن الذي جنّد بعض الأطراف واللوبيات باعتماد دبلوماسية ” شراء الذمم ” وقدّم مقابلًا ماديًا من أجل عرقلة الدعم المتزايد لصالح قضية الصحراء الغربية خاصة بعد النجاحات والانتصارات التي سجلتها تباعًا مع عدد من الدول في أعقاب تجديد تمسكها بالعلاقات “المميزة” مع الجمهورية العربية الصحراوية، وبحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بدءًا من البيرو ومرورًا بكينيا وجنوب السودان التي قرّرت استئناف علاقاتها الدبلوماسية معها، بحيث تؤكد هذه التطورات الدبلوماسية مدى العزلة التي يعيشها نظام المخزن على الصعيد الدبلوماسي خاصة بعد مقاطعة المغرب لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (تيكاد) السنة الفارطة بتونس بسبب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لنظيره الصحراوي “إبراهيم غالي” الذي شارك على رأس وفد هام يمثل بلاده… موضحا أنّ الأجهزة الدبلوماسية الصحراوية عملت على إجهاض كل محاولات الاحتلال لشَرعَنة احتلاله للأراضي الصحراوية رغم كل الاساليب القذرة التي لجأ إليها من شراء للذمم ودفع للرشاوى وتضليل وابتزاز وتهديد وتطبيع، وهو ما يترجمه الفشل الذريع الذي مني به المخزن أمامها في القمة الإفريقية الأخيرة في أديس أبابا بأثيوبيا.
وتابع الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية “حكيم غريب” أن هذه المكاسب الدبلوماسية للشعب الصحراوي مؤشر عن استقرار المنطقة معتبرا أنّه على رغم كل ما تفرضه ظروف الاحتلال المغربي والحرب من عوائق، فقد استطاعت الدبلوماسية الصحراوية تحقيق إنجازات كبيرة على كل المستويات داخليا وخارجيا لاسيما على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، والتي جعلت منها حقيقة قائمة ورقما لا يمكن تجاوزه في حل أي من معادلات المنطقة أو القارة والهيئات الدولية.
واعترف الأستاذ الدكتور حكيم غريب بصعوبة بضمان الاستقرار في المنطقة المغاربية لمدّة طويلة نظرا للرّهانات والتحديات التي تعرفها المنطقة، حيث باتت محاطة بمشهد أكثر تعقيدا وأصعب تسييرا ممّا كان عليه سابقا، فالمنطقة التي تتواجد بها هي أكثر المناطق اضطرابا وتهديدا للاستقرار والأمن والسلم العالميين، لهذا فمواجهة المخاطر المطروحة والتحديات القائمة التي وضعتها على خّط تماس العديد من الأزمات والنزاعات ومصادر التهديد بالغة الخطورة، يدفعها بالضرورة لتبنّي استراتيجية مبنية على ثلاثة أبعاد أساسية، فتجد فيها: دبلوماسية نشطة، ويقظة أمنية مستمرّة، وجبهة داخلية مستقرّة، خاصة أمام التقارب الخطير التي يشهده المخزن مع الكيان الصهيوني من تعاون عسكري و استخباراتي لإثارة القلاقل في المنطقة، يضاف إلى ذلك تجارة المخدرات ذات المصدر المغربي أو الأمريكو-لاتيني وتحالفها مع الجماعات الإرهابية بالساحل، كلّها معطيات تعقد من المشهد الأمني في المنطقة، ليس هذا فقط، بل ظهور فواعل دولية جديدة كانت إلى وقت قريب بعيدة عن المنطقة نسبيا، مثل القاعدة العسكرية الأمريكية “أفريكوم”، الكيان الصهيوني، وتركيا، والإمارات، وتداعيات الأزمة الأوكرانية على دول المنطقة وغيرها، لذا يمكن القول بأنّ المنطقة محاطة بمشهد أكثر تعقيدا وأصعب تسييرا ممّا كان سابقا، وإنّنا أمام أحد أكثر المناطق اضطرابا في تمدّد الأخطبوط الصهيوني في المنطقة، وأكثرها تهديدا للاستقرار والأمن والسلم العالميين.
أخبار دزاير : بوبكر سكيني