عرفت الحضارة الإنسانية منذ نشأتها على اختلاف كنهها وممّيزاتها ثورتين أساسيتين غيّرت وجه الطبيعة وحياة البشر، فكانت الثورة الزراعية ومن ثمّ تبعتها الثورة الصناعية، وما هو اليوم مُؤكد للعيان أنّ الانسانية تعيش ثورة ثالثة مُمثلة بما يُصطلح عليه بثورة تكنولوجيا المعلومات، والتي أضحت أساسية وركيزة لا غنى عنها للمشاريع التنموية في عالم اليوم، مما انعكس ذلك على عديد المفاهيم ومنها السيادة الوطنية التي تشكل أحد الأركان الجوهرية التي تبنى عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، بل يتعدى هذا المفهوم إلى المبادئ الأساسية التي يقوم بنيان وصرح القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة…
وبتغيّر مفهوم السيادة الوطنية التقليدي والمختزل في بعده الجغرافي إلى فضاء رقمي مفتوح دون حدود مُرسّمة في ظل العالم المعاصر وما يعجّ من متغيرات هائلة لها تأثيرها على بنى الدّول في مختلف مستوياتها الأمنية، الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية…إلخ.، فإنه بذلك انتقل هذا المفهوم إلى ساحة جديدة بفعل التطور التكنولوجي والإلكتروني الهائل، وهو الأمر الذي فرض على كثير من الدول إنشاء مؤسسات وفضاءات وبدائل رقمية جديدة تختزل بداخلها كمية معلومات هائلة تخص أمنها الداخلي وتدافع به عن الحملات المُغرضة على تفتيت كياناتها، في وقت تعيش الجزائر في المرحلة الراهنة تطورا استراتيجيا كبيرا فيما يخص السيادة الرقمية الجزائرية من حيث التخطيط، الوعي الرقمي وأهميته في الحفاظ على وحدة التراب وسيادته، وكذا فيما يخص توظيف واستغلال تقنيات الديجيتال المتعددة السمات والبدائل، بل تعدى الأمر إلى أكثر من هذه العَتبات، حيث أن هناك توابع إيجابية عن ذلك على غرار توسيع جاذبية الرموز الثقافيّة والاقتصادية الجزائرية، وفي تثبيت شرعية سياساتها الخارجية ومصداقية مواقفها الدولية، وفضح سياسات الأعداء المضلّلة…
فمن الخنادق وجبهات النار إلى جغرافيا العقول، ودون ضجيج ولا انفجارات، يقود جنود مديرية الإعلام والاتصال بأركان الجيش الوطني الشعبي معارك يومية للذّود عن السيادة الرقمية للجزائر، حتى تحافظ بذلك على هويتها، بوضع حد لمخططات الأعداء الذين يسعون إلى تهديد أمن بلادنا وسلامتها ووحدة أراضيها وشعبها.
ويتطرق الدكتور عادل بضياف أستاذ علم النفس التنظيمي بجامعة يحيى فارس المدية في حديث لـ “ أخبار دزاير ” إلى الجهود الكبيرة لمديرية الإعلام والاتصال في إدارة المعارك الرقمية بحرفية ومهنية عالية.
“عملت مديرية الإعلام والاتصال على متابعة جميع المخاطر الواردة من مختلف المصادر والقيام بتحليلها وتفصيلها والمبادرة بعملية استباقية لكسر الشائعات، وعلى تنوير الرأي العام…”
يرى الدكتور “عادل بضياف” أنّ مفهوم السيادة الرقمية تعدى قوّة الجيوش والأسلحة الفتاكة، فكان لابد من إعداد خطط استراتيجية من القيادات العسكرية في الجزائر لمواجهة البرامج الرقمية الخبيثة، التي تهدد الأمن الداخلي ووحدة التراب الوطني، ووهو ما تجلى للعيان في الآونة الأخيرة في ظهور التهديدات على أرض الواقع، والذي تسعى من خلاله أياد خارجية إلى بث الفرقة بين أواصر الشعب الواحد لتفكيك اللّبنة الوطنية، ومهاجمة الرابطة التاريخية بين الشعب وجيشه، محاولين التشكيك في أواصر هذه اللحمة وبالتالي محاولة فتح المجال للتشكيك في الشرعية الوطنية و للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد…
وأضاف قائلا أنّه ” يتضح لنا كباحثين وكمشاركين بملتقيات وطنية حول الأمن السيبيراني، من اجتهادات للقيادات العسكرية للإحاطة بجميع ما يتعلق بهذه التهديدات سواء على المستوى التقني أو البشري المتعلق بالكفاءات ومدى احترافيتها، حيث مارست هذه الأخيرة تكوينات على أعلى المستويات من أجل مجابهة هذه الاخطار والتهديدات، التي مكنت مختلف الهيئات الأمنية المختصة من تنظيم خطط استشرافية بطرق احترافية مبنية على أسس علمية.
و عملت مديرية الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع الوطني على متابعة جميع المخاطر الواردة من مختلف المصادر والقيام بتحليلها وتفصيلها والمبادرة بعمليات استباقية لكسر الشائعات، وعلى تنوير الرأي العام، وإعادة بعث الرموز الوطنية الجامعة والتحسيس بمدى قوّة الجيش وارتباطه الوثيق بشعبه منذ الأزل، وهي الصور الحقيقية الثابتة التي تعبر عن قيم الشعب الجزائري.
-“الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير وهو يسعى دائما للحفاظ على الرابط التاريخي والاجتماعي وتقويته بين الشعب وجيشه كلما حاول المغرضون المساس بحرمة هذا الوطن “
وبخصوص تعزيز هذه السلوكيات وإعادة إحيائها، أكد الدكتور عادل بضياف على أنّها أضحت من الضرورة والحتمية في ظل الوضع الراهن واتساع رقعة هذه الثورة المعلوماتية المضادة التي يحاول مستعملوها تشتيت وتغيير توجهات أفراد المجتمع الجزائري، ومحاولة فك الرباط التاريخي والاجتماعي بين الشعب وجيشه، هذه الأفكار الراسخة منذ اندلاع الثورة المجيدة، حيث يعتبر الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الساعي دائما للحفاظ على هذا الرابط التاريخي والاجتماعي وتقويته بين الشعب وجيشه كلما حاول المغرضون المساس بحرمة هذا الوطن الشيء الذي يعزز سياسة الجزائر الخارجية ويثبت مصداقيتها ومواقفها الدولية الثابتة، ويجعل من الجزائر دولة قوية من خلال حمايتها من جميع التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية ببعث رسائل مباشرة وغير مباشرة بتوظيف تقنيات الديجيتال متعددة السمات، والتي تحمل مضامين واضحة وأخرى خفية، كما أن هذه المؤسسة عملت على إنجاز مخابر لتتبع الجرائم السيبيرانية وكشفها وكذا محاربتها، والتكثيف من متابعة جميع أنواع القرصنة والاختراقات التي تهدد أمن المؤسسات الحساسة…
وأوضح الدكتور عادل بضياف في حديثه لـ ” أخبار دزاير ” أنه من الملاحظ حاليا هو نجاح الأمن الاستخباراتي في كشف الكثير من التهديدات والمخاطر المحيطة وحتى خارج الحدود، مؤكدا من زاويته كملاحظ أكاديمي أنّ الجيش الوطني الشعبي بمختلف مؤسساته يسعى جاهدا للحفاظ على سيرورة الدولة في إطار المبادئ التي يكفلها الدستور الجزائري، ليتدخل فقط في حال حدوث طارئ أو مانع للحفاظ على سيادة الدولة والانفلات الأمني، وهو الأمر الذي يؤكد احترافيته وجاهزيته للذود عن أمن الوطن ويعزز من قوته على المستوى الداخلي والخارجي وفي الدفاع عن السيادة الرقمية للوطن…
أخبار دزاير : بوكر سكيني