شهد مطلع الألفية الثالثة ثورةً فنِّيةً وفكرية خلخلت المفاهيم الجاهزة والمتداولة عن الوجود ومبرراته وغاياته، وزادت المجتمع الدولي هموماً ذاتية واجتماعيةً.. بل إنَّ بداية الألفية قلِّصت فيه الأحلام وغيِّبت فيه الآمال، مما جعل جنود الخشبة أمام احتمالات متعددة في صياغة ركحٍ جديد وفي البحث عن سبل مشهدية مستحدثة تتماشى ومطالب العصر، وإلى حَبكِ متطلبات ركحية تفضح الرَّاهن وتحترم القادم.. وطُرحت أسئلة حول واقع الإنسانية من بينها: أليس ما يجري اليوم أشبه بمسرحية تنتمي إلى المسرح الكوميدي؟ أليست الكوميديا هي السبيل الوحيد في التنفيس عن إنسان العصر؟ وأن التراجيديا هي الكفيلة بتقليص هوَّة القلق والضياع لدى إنسان العصر؟
فلو كان “برتولد بريشت” حياً اليوم بيننا لاستطاع أن يجد إجابةً لهذه الأسئلة.. في نص.. في شخصية.. لكنَّ المُؤكَّد أنّ اليوم جل المسرحيين لا يعرفون كنه المسرح وماهيته (وليعذروني في ذلك)، وأنَّه بلا ريب شريحة واسعة من الجمهور تعيش ماهيته وتدرك آلية التأثير فيه… لذا أجدني أشاطر رأي الناقدة العالمية “آن أوبسفرد” أن المتفرج هو الوحيد الذي يحسن صياغة المسرح من زاويته كمشاهد.. والكفيل في مطابقة مع ما يجري على الواقع… في حين أرى أن الجمهور من أبرز العوامل المساهمة في إنجاح أي فعل إبداعي، وعلى أن لديه تجتمع مكامن العملية التواصلية والتأويلية التي تحدد عملية التأثير والتأثر في فن المسرح…
من هنا يمكن وصفه بالناقد، وحينا بالمتذوق وبالمتابع وبالمشاهد، ونطلق عليه سمة هاوي الركح ومجنون التماهي بعوالم التجسيد والأداء والستارة، فيساهم دون وعي منه من خلال تفاعله وتجاوبه في تحفيز المبدع وتشجيعه وجدانيا ونفسياً بالاستمرار والاقدام على الإبداع والعطاء، كما قد يؤدي إلى نقيض ذلك عندما لا ترتقي الذائقة الفنية والفكرة بمستوى الحضور… فهل يتحالف المسرح والجمهور إلى مغادرة الصالة؟
بقلم بوبكر سكيني:
إعلامي وناقد مسرحي