الرّاصد لتاريخ منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط سيُدرك أنّ العلاقات الجزائرية الفرنسية تميّزت بالتأرجح بين الودية حينا والصّراع حينا آخر، وذلك منذ القرن السادس عشر میلادي (16م)، ومع هذا التأرجح كانت فرنسا دائما تتمتّع بامتيازات هامة تجسّدت في الشركات التجارية كتِلك بالشّرق الجزائري في كل من عنابة والقالة والقل، حتى المرحلة الرابعة من التواجد العثماني بالجزائر أي خلال عهد “الداي حسين” الذي ورث عدّة معاهدات اقتصادية وتجارية كان قد وقعها أجداد “إيمانويل ماكرون” بين الجزائر وفرنسا، فهل يدرك ذلك هذا الرئيس الشاب الذي ورث عن أجداده جينة “الغبي الذي لا يفهم الدّرس” أن الجزائر كانت دولة ولها مؤسسات؟ وكيف له التشكيك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد، عام 1830 في لقاء له مع مجموعة من الشباب مزدوجي الجنسية في باريس في استفهام ينم عن غباء سياسي مستشفى في الامة الفرنسية هذه الأيام، قائلا: “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”…
وبهذا ماكرون يكون بتصريحه باتجاه النظام الجزائري والذي نقلته صحيفة “لو موند” الفرنسية قد أضاف لبنة إلى قرار خفض التأشيرات للجزائريين، ويكون في نفس الوقت أحدث حلقة يراد منها الدخول في مواجهة دبلوماسية ذات أعماق جيو استراتيجية وأمنية واقتصادية بين النظامين، مما يجعل الجهود الديبلوماسية تنهار على نحو مفاجئ بعد أشهر من التفاؤل على خلفية تقدّم العلاقات بين البلدين، وذلك بعد انتعاش فتح الحوار حول مسألة “قضايا الذاكرة”.
وبذلك يكون “إيمانويل ماكرون” بحسب بعض المراقبين يتهافت في الوقت الحالي لإظهار قدر أكبر من الصرامة والسلطة في خطوة لمغازلة جمهور أحزاب اليمين المتطرّف من الناخبين الفرنسيين لكسب أصواتهم قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة شهر أفريل من العام القادم، والتي يتوقّع أن يرشح فيها نفسه، ناهيك عما يعتبره المتابعين للشأن الفرنسي أن ما يواجهه الرئيس الفرنسي من معضلات داخلية تتعلق بالبطالة والاقتصاد نتيجة فشله في تحقيق الكثير مما وعد به الفرنسيين خلال عهدته الآيلة إلى الانتهاء والتي يقيّم فيها حصيلته بالأسوأ خلال سنوات حكمه مقارنة مع ما سبقوه من رؤساء، ومن ثمّ فهو يسعى خلال هذا الوقت بالذات إلى مغازلة جمهور الناخبين بقضايا تدغدغ مشاعرهم فيما يتعلّق بالحقبة الاستعمارية واستغلال قضايا المهاجرين لفرنسا.
ما يمكن نعت اللّحظة هذه التي يتخبط فيها ماكرون على أنّها مؤشرا للرقصة الأخيرة لأمانويل بإقامة الإليزي التي أعادة العلاقات الديبلوماسية الجزائرية الفرنسية إلى نقطة الصفر…
بقلم: بوبكر سكيني