كُـنَـا نـقـرأ عـن شِـعـر المهجر، عن ألم الغربة والشوق للوطن
كُـنَّـا نَـخـالُ الأمر انقضى لكن الحرية لا تعرف زمانا واحدا والقلم الأبي يحاكي كل العصور والالتزام بالقضية يكون أقوى عندما نعيشها وهذا تحديدا ما نلمسه في قصائد الشاعر السوري المغترب، أحمد الحاج.
حاورته: بشرى بلمامي
- إذا أردنا أن نتعرف على حضرتكم، من هو الأستاذ أحمد الحاج؟
أنا أحمد حسين الحاج، مواطن عربي سوري، من مواليد مدينة دمشق للعام 1988، درست في جامعة دمشق للآداب، قسم اللغة الانجليزية، تشرفت بالقدوم للجزائر الحبيبة في العام 2014 وأنا مقيم فيها إلى الآن، عملت سابقاً في مجال التربية و التعليم، تشرفت بكم وبتواجدي معكم.
- كيف كانت بداياتكم مع الكتابة الشعرية؟
بدأت قصة الكتابة بشكل مبكر، في مرحلة التعليم الإبتدائية وذلك بدعم من أسرتي و إشراف مدرس اللغة العربية آنذاك الأستاذ سامح شعبان، الذي ساعدني مشكوراً على تطوير لغتي وتمكينها ودعاني لكتابة الشعر على أية شاكلة كانت، دون ضوابط وقوافٍ، كانت مجرد محاولات لطفل يحلم، لكنها وطدت علاقتي بالأدب ودفعتني للاستمرار، وبدأت بعدها رحلتي مع الكتابة وكذا كانت القراءة من مكتبة المنزل والمدرسة التي ساعدتني على فهم الإنسان بشكل أعمق، كي أكتب عن روحه ومشاعره وداخله العظيم.
ومع التجربة الحياتية والظروف الصعبة التي مر بها بلدنا الأمين سوريا وويلات الحرب التي ذقناها كشعب مسالمٍ أعزل، من قتل وخطف وقصف وتهجير وحصار، زادت رغبتي وحاجتي لإفراغ ما يدور في ذهني وخلدي، فكانت كتابة الشعر ملاذي الوحيد، وعالمي الذي أشعر فيه بسلام داخلي، وألتقي عبره بمن غادرنا وفارقنا ومن بقي على قيد الأمل، صار الشعر وطناً بديلاً واللغة حضناً واسعاً يستقبلني كلما أكلت الغربة أحد أطرافي، كلما شعرت باليأس والخوف والوحدة.
- لمن يقرأ أحمد الحاج؟
انا أقرأ الأدب بشكل عام، عالمياً أحب الأدب الروسي، لما يمتلكه من واقعية فظة مفرطة، يصور الحال كما هو وينقل الصورة كعدسة كاميرا متطورة، خاصة في مجال الرواية والقصة القصيرة والمسرح، ذلك الأدب الذي أثر كثيراً في صناعة الدراما السورية التي غزت عالمنا العربي ، وأهم أدباء ذلك العصر الذين أحبهم وأتعلم منهم “السيد ليو توليستوي” والروائي الأب “دوستويفسكي”، والقاص الرائع “أنطون تشيخوف”، وغيرهم الكثيرين، أما عربياً، فأراني أقرأ للجميع، بكل عصورهم وتوجهاتهم وتاريخهم، فمن “المتنبي” لـ “أبي العلاء المعري” مروراً بـ “ابن زيدون” ورائحة الأندلس، لـ “أبي نواس” وبغداد حتى ألامس جدران بيت “نزار قباني” المختبىء في فيء ياسمين دمشق، وأشعر بـ “محمود درويش” و “سميح القاسم” يقاتلان لأجل القضية بالكلمة والقافية، وأتغنى بما كتبت “فدوى طوقان” و “نازك الملائكة” ، “عمر أبو ريشة” و “الشابي” وصولاً لـ “الأخطل الصغير” و “شوقي” و “حافظ إبراهيم”، وغيرهم من أرباب الشعر العربي بمراحله، لكني وللأمانة منذ قدومي للجزائر الأبية، حرصت على قراءة الإبداعات الادبية لأبناء هذا الشعب العظيم كي أتفهم مكنوناته وطريقة تفكيره، كيف يحب وكيف يكره، كيف دافع عن وطنه، واجتاز الحرب الأهلية، فأعجبت كثيراً بما كتب “أنور بن مالك” و”ياسمينة خضرا” و”واسيني الأعرج” و “أحلام مستغانمي” وغيرهم، مع حفظ الألقاب، وتأثرت كثيراً بما أبدعوا.
أنا بشكل عام أقرأ للجميع، ولا أبني افكاراً مسبقة لأي نتاج معرفي أو أدبي حسب الكاتب، ولكن بعد المطالعة والتدقيق.
- لماذا اخترتم التجديد في الشكل في الشعر العربي؟
الفكرة ليست بالتجديد، إنما هو الشعور المطلق بالراحة أثناء الكتابة، وأنا أخترت كتابة الشعر الحر أو شعر التفعيلة، لأنه حسب رأيي مذهب مرن يساعد على عدم الوقوع في الحشو الذي قد يغلبني في نظام القصيدة العمودية، أخاف أن تنتهي الفكرة أو الإحساس قبل الوصول للقافية والوزن الخليلي، فأضطر لزيادة بعض الكلمات، كذلك يساعدني الشكل الجديد على صعيد التنوع في القوافي والتفعيلات، لتأخذ القصيدة شكل المقطوعة الموسيقية وإيقاعها، لما فيها من تنويع نغمي بين ارتفاع وانخفاض، كما أن لقصيدة التفعيلة وحدة كاملة بعيدة عن وحدة البيت الموزون، لتبدو أكثر همساً وبوحاً لا تقريراً وخطابة، وهذا رأي شخصي لا يتعدى كونه نابع من رغبتي، مع كل الاحترام والحب للقصيدة العمودية ومن يكتبها ويتلوها.
- ديوان “ضمة وسكون” ترى ماذا خلف هذا العنوان؟
الخوف من فقد الأحبة، الشعور الدائم بالقلق، الخذلان، الندم، البرد الذي يسكن الروح، أحاسيس تجعلني بحاجة ملحة للأمان، الأمان الذي لن يكون إلا في حدود ذراعين، دافئين، خلال عناق طويل، فكانت الضمة. ضوضاء الحياة، وهدير الطائرات، أزيز الرصاص، وأنات الثكالى، صوت الغربة والوحدة المرعب، كلها تضاربت في نفسي وأخذت تعبث بها، لتصير أشبه بموسيقى تصويرية ترافقني أنى ذهبت، لذلك كنت دائم البحث عن الهدوء المريح، ليكون السكون.
- الإبداع لا سقف له كما هو معروف، فما هي تطلعاتكم المستقبلية؟
كل ما أتمناه أن لا تسرقني الحياة كعادتها، أن لا أبتعد عن القلم والورقة، ويبقى الكتاب برفقتي، علي أترك بصمة صغيرة، الأدب والقراءة والكتابة نافذة أفتحها كلما اختنقت، وعلى الصعيد الشخصي أتمنى أن استمر بالكتابة وأن يصل ما أكتب لمن يود، وما نيل ذلك إلا باستمرار الشغف والرغبة والحب.
- كيف ترون الحركة الشعرية على المستوى العربي؟
الشعر كان يوماً ما، خيل العربي وسيفه ومفخرته، وبقي لوقت طويل، لكنه كأي شيء آخر تطور ومر بمراحل عديدة من النمو والازدهار للانحدار والسقوط، ونحن الآن للأسف نعيش إحدى أكثر مراحل الأدب والثقافة تراجعاً، فقدت فيها قيمنا الإنسانية كعرب مكانتها، وصارت القراءة والكتابة من المنسيات في زحام التيكنولوجيا والميديا، والشعر جزء مهم من الحركة الثقافية التي تعيش في غرفة الإنعاش كجثة هامدة، تأخذ انفاساً ثقيلة دون حراك، يحاول القلة انقاذها، دون جدوى.
- كلمة ختامية لقراء جريدة أخبار دزاير.
الشكر الجزيل والعرفان لكم أولاً، القائمين على الجريدة، وللقراء أقول: أنا فخور وسعيد جداً بتواجدي بين أهلي وإخوتي هنا في أرض العزة والكرامة الجزائر، وأتمنى أن نلتقي في ميدان الثقافة والأدب، لقاء أحبة وأصدقاء.
حوار: بشرى بلمامي