في حدث عاجل تم تداوله عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة عن استدعاء المغرب لسفيرها لدى الجمهورية التونسية يوم 26 أوت 2022م، بعد استضافة الرئيس التونسي “قيس سعيّد” الأمين العام لجبهة البوليزاريو السيد “ابراهيم غالي” في غمرة الاستعدادات لقمة “تيكاد 8″، بدى للعالم أن ملك المغرب لا يفوت الفرصة حتى ينطلق في وعيده وتهديده.
يأتي قرار سحب السفير المغربي من تونس سريعا، بعد الخطاب الملكي الأخير(20/08/2022) بمناسبة العيد 69 لثورة الملك والشعب، وفي جزئه الأول المخصص لملف الصحراء الغربية والإشادة بمساندة العديد من الدول لمبادرة الحكم الذاتي، بل راح لتسمية تلك الدول (الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا ألمانيا وهولاندا والبرتغال وقبرص ورومانيا وهنغاريا وصربيا ووعدها بتعزيز شراكة نوعية مستقبلا)، و واصل الثناء على رؤساء وأمراء الدول العربية المساندين لمغربية الصحراء بذكرهم على التوالي (الإمارات والأردن، البحرين وجيبوتي وجزر القمر ودول المجلس التعاون الخليجي واليمن ومصر)، وأضاف إليها بعض الدول من القارات إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي رسالته للجميع قال: قضية الصحراء هي “النظارة التي ينظر بها المغرب للعالم” و”المعيار الذي يقيس به الصداقات ونجاح الشركات”، بل راح إلى مطالبة بقية الدول الشريكة أن توضح موقفها تجاه القضية بشكل لا يقبل التأويل وضبابية الرأي… يجبرها بذلك على عدم الالتزام بالشرعية الدولية، و على ما يبدو “تونس” هي الدولة الأولى التي سينفذ فيها التهديد الذي جاء في خطابه.
ولا يزال المغربي يظن أن أمريكا معه في مسعاه الاستغلالي للصحراء باق على وعد “دونالد ترامب” الرجل المزاجي الذي أدلى ببعض الهرطقات قبيل خروجه من البيت الأبيض، كما تبين أنه كان لأسباب غير مباشرة وخبيثة من خلال إيقاع ملك المغرب في شراك التطبيع مع الكيان الصهيوني وعلى المباشر، وكأن المغرب يتناسى أن في عالم السياسة الرأي والمواقف تتبدل بتبدل المصالح. ولم يعبر الرئيس “جون بايدن” بعده بأي مساندة واضحة للمغرب بخصوص الملف الصحراوي.
إن الخطاب كان استفزازيا تهديديا لا ندري كيف توفرت له الجرأة في التصريح بذلك، وكأن البرج العاجي الذي يعيش فيه سيطر عليه حين كتابة الخطاب وإلقائه، وكأنه يتناسى أن المغرب لا يعد من مصاف الدول المتطورة ولا صاحب شأن عظيم حتى يحاول أن يجاري مقولة “من ليس معنا فهو ضدنا” حتى أن قائلها اندثر وراح زمانه.
ضرب سلطان المغرب بخطابه الأعراف الدولية والقرارات الأممية بشأن قضية الصحراء الغربية متناسيا أنها قضية استعمار وحق تقرير مصير لشعب كامل.
جعل من قضية الصحراء الغربية حجر أساس العلاقات المغربية مخيرا العالم في مواصلة العلاقات مع المغرب أم قطعها وهو تصريح انتحاري للدبلوماسية المخزنية المغربية.
إن تصريحه القاضي “من ليس معنا فهو ضدنا” يسير بها نحو العزلة السياسية في القريب العاجل، لما يصبح يٌساوم الشركاء الدوليين بقبول فكرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية، إنها حالة من التكبر والعلياء أصابته على فراغ.
لم تكن الصورة تتناسب وتتناسق مع القول، فالعارف بتحليل الخطاب يرى أن وقوفه للاستماع للنشيد الملكي وجلسته ومسكه للورقة كان غير طبيعيا بين الرعشة والاضطراب والتعب الواضح، وما جاء في الخطاب يتطلب ويناسب شخصية كارزمية قوية تضرب بيد من حديد، لكن الظاهر أنها كانت مجرد قراءة لما كتب له، جعجعة في طحين.
هكذا كان تسرّع المغرب حين انسحب من الاتحاد الافريقي بعد انضمام الصحراء الغربية له عام 1984، وبقي يترجى العودة للاتحاد الافريقي ولم تكن العودة بالسهلة، بل قطع أشواطا ومراحل من الاتصالات ووصول الود مع عديد من الدول الإفريقية بوعود الشراكة والتعاون وفتح باب المساعدة لهم، وتقديم العطايا والهدايا الثمينة لرؤساء بعض الدول الإفريقية علهم يتوسطون لها في الاتحاد لرجوعها , فعاد للانخراط بداية 2017م، مع ذلك لم يتعظ.
سحب السفير المغربي من تونس ليس القرار الوحيد الذي أطلقه المغرب لما أضاف عدم مشاركته في الندوة العالمية (قمة طوكيو الدولية للتنمية في افريقيا تيكاد 8) يومي 27 و28 أوت من السنة الجارية، ـــ رغم أنه شارك في قمم تيكاد السابقة بحضور الصحراء الغربية.
إنها حماقة أخرى تسجل للمغرب، فبعد شوط طويل من التقرب لدول إفريقيا لاسيما الغربية والوسطى وما تضمنه التقرب من رصد ميزانية مالية كبرى خلال عشرة سنوات الماضية سيذهب هباءا منثورا، فالقمة في طبعتها الثامنة كانت فرصة من فرص الالتقاء بكبرى الشركات والمستثمرين من إفريقيا واليابان المنافس رقم ثلاثة بعد أمريكا والصين في القارة الإفريقية.
خلق الأعداء مجانا وبصفة مباشرة بعيدة عن العقلانية فعلة لا ترتكبها كبرى الدول ولا يرتكبها حمقى صناع القرار. ماذا لو تضع منظمة الأمم المتحدة ملف الصحراء الغربية على طاولة النقاش والمحادثات ويصوت بعض المساندين الحاليين الرئيسيين ضد مقاصد المغرب في الصحراء الغربية ؟ هل ستنهي المملكة العلاقات مع تلك الدول وقد تخسر بلايين الدولارات من وراء التهور أم ستضطر إلى التراجع عن ما جاء في الخطاب وتظهر بمظهر الصغير المتردد في صناعة القرار وتنفيذه؟ وإلى أين تصوب النظّارة المغربية بعد تونس؟
بقلم: الأستاذة الدكتورة نبيلة بن يوسف