تعمل حركة “رشاد” الإرهابية على توقيف عجلة التاريخ من خلال سعيها لتكرار فصل من فصول المأساة الوطنية عن طريق السيطرة على “الحراك” واستخدامه لتنفيذ مشروعها الظلامي الذي عمل تيار “الجزأرة” الدموي على محاولة تنفيذه تسعينات القرن الماضي.
لم تقو حركة “رشاد” على الصبر طويلا حتى تخرج إلى العلن بوجهها القبيح يوم الجمعة الماضي، عندما أعلنت عن برنامجها للعلن والمتمثل في الدعوة للعنف المسلح ضد السلطة والدولة وهي ترفع شعار “دياراس مخابرات إرهابية”، ونعت عناصر الشرطة بالقوى الاستعمارية. وهو ما يعتبر بمثابة الدعوة للقتل وفق نفس سيناريو الجماعة الإسلامية المسلحة (جيا GIA) بداية التسعينات عندما وصفت كل من ينتسب للدولة أو يعمل لديها بـ”الطاغوت” وهو بمثابة هدر لدم كل منتسب للدولة أو أجهزتها في تلك المرحلة الحالكة من تاريخ الجزائر الحديث.
لماذا يصمت “الحراك” على هذا الانحراف الخطير؟
الغريب أن بعض المنتسبين للحراك والذين يرغبون في تزعمه على غرار بعض المحاميين وبعض المحسوبين على التيار اللائكي، لم ينددوا بتلك الشعارات المستفزة للوجدان الجمعي للجزائريين الذين دفعوا 200 ألف قتيل خلال التسعينات ومليون من المهجرين داخليا، بل حاولوا إيجاد مبررات لرفع مثل هكذا شعارات خطيرة، وكـأن العلاقة الصدامية بين التيار العلماني الذي “واجه بشراسة” تيار الإسلام السياسي والجهادي عند محاولته الوصول إلى الحكم بداية التسعينات، تحولت في لحظة مفاجئة إلى وفاق وانسجام وتحالف.
علاقة الزواج ضد الطبيعة (التحالفات ضد الطبيعة) التي تدفع نحوها قيادة “رشاد” وبعض بقايا الحزب المحل، ظهرت بوادرها خلال جنازة عباسي مدني، في ابريل الماضي، في مقبرة سيدي امحمد بالعاصمة، حيث رفعت شعارات “يا علي، يا عباس… الجبهة راهي لباس”، و”عليها نحيا ونموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله”، معيدين بذلك أجواء التسعينيات إلى الواجهة.
هل “الحراك” في مفترق طرق؟
شعارات بقايا الحزب المحل عندما يضاف إليها الشعار الذي ردد الجمعة الماضية يكون الحراك فعلا أمام موقف لا يحسد عليه، ويفتح جديا المجال لطرح السؤال الكبير حول الأسباب الحقيقة لرفض تمثل الحراك والإصرار على الاستمرار به “بدون هوية” وكأن لسان حال من يحركون خيوط اللعبة من وزراء الستار، “إننا في انتظار اللحظة المناسبة للخروج إلى العلن وإعلان المواجهة العلنية المفتوحة مع الدولة”، كما ترغب في ذلك جماعات إسلامية معروفة وقادة التيار العلماني المتحالف مع حركة “الماك” الإرهابية التي تنشط من فرنسا أيضا.
ينتمي السواد الأعظم من حركة “رشاد” إلى تيار الجزأرة” الذي أسسه بلقاسم الوناس، المعروف محمد السعيد، عضو “رابطة الدعوة الإسلامية” سابقا، والمعروف بخلافاته الكبيرة مع عبد الله جاب الله، وتيار الإخوان العالمي في الجزائر بقيادة محفوظ نحناح. ومعروف على نطاق واسع أنه بعد التحاق محمد السعيد بالعمل الإرهابي بعد 1992، قتله جمال زيتوني في جبال الشريعة عام 1995 بسبب محاولته اختراق الجماعة الإسلامية المسلحة وتوجيهها لصالح تيار “الجزأرة“.
محاولات قديمة للسيطرة على الحراك
بالعودة إلى الراهن السياسي الذي تعرفه البلاد منذ اندلاع الحراك في 22 فبراير 2019، وتحديدا بعد الجمعة العاشرة، انطلقت محاولات السيطرة على الحراك من طرف عدة تيارات منها التيار اللائكي أولا ممثلا في بعض الأحزاب العلمانية المعروفة تقليديا بعدم الانتشار وطنيا ولكنها نافدة جدا في دواليب الحكم بفعل سيطرتها على البيروقراطية الإدارية منذ الاستقلال، وثانيا التيار الاسلاماوي بشقه الراديكالي ممثلا في بعض بقايا “الفيس” المحل وحركة “رشاد” التي تنشط من الخارج.
لقد عملت قيادة الجيش الوطني الشعبي على حماية الحراك من عمليات الاختراق الخطيرة التي عملت عليها هذه التيارات بقوة والمدفوعة في كثير من الأحيان من جهات خارجية تسعى لتكرار السيناريو السوري والليبي في الجزائر في سياق مخطط عابر للحدود يستهدف كل الدول التي ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا باستعمال الأشكال الجديدة للحروب الهجينة التي دربتهم عليها المخابرات المركزية الأمريكية والموساد خلال السنوات الأخيرة ومنها ما يسمى المقاومة اللاعنفية واستعمال شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الشعارات والترويج لها والبث الحي للمظاهرات واعتماد تقنيات تصوير خبيثة تقتصر على اللقطات القريبة، حيث لا يظهر حجم المظاهرة الحقيقي لتغليط الرأي العام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بفئات معينة كالنساء والفتيات والأطفال أو عندما يتعلق الأمر برايات وشعارات معينة تريد إبراز وجودها ودورها داخل الحراك والتي حاربها بقوة نائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش السابق المرحوم الفريق احمد قايد صالح.
تستعمل حركة “رشاد” هذه التقنيات بقوة وهي التي تريد فرض منطقها بالقوة على الحراك أولا، ثم على الشعب الجزائري عموما في مرحلة ثانية، كما فعلت بالضبط حركة “الجزأرة” بداية التسعينات عندما قام عناصرها بغزو “الفيس” المحل والسيطرة عليه من الداخل بحسب شهادة القيادي في “الفيس” المحل سابقا أحمد مراني.
ويكشف أحمد مراني في شهادته وهو أحد أبناء الحزب المحل، إن تنظيم “الجزأرة” انظم إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحل) بهدف الاستيلاء عليها ومصادرتها والسيطرة على القرار داخلها، مضيفا:”أود أن أركز هنا على تيار خطير هو المسمى “الجزأرة”. هم جماعة متآمرة همها الوصول إلى قيادة الحركة الإسلامية، هم لم يكونوا معنا (أي في الجبهة) في الانطلاقة، لكن حين شعروا بأن الجبهة تَقَوَّت وكسبت موقعا سياسيا كبيرا في البلاد وهي قريبة من الحكم تسللوا داخل الصفوف وقد تمكنوا من الوصول إلى رئاسة نسبة معتبرة من مجالس البلديات والولايات التي فازت بها الجبهة في انتخابات 12 يونيو 1990..أتذكر أن عباسي مدني تنقل إلى تلمسان.. لكنه لم يجد أي مكان يُسمح له فيه بالحديث إلى الناس كون منطقة تلمسان كان يسيطر عليها تنظيم “الجزأرة” بشكل يكاد يكون مطلقا، وحين تَقَوّت الجبهة أطلقوا تعليمات بالانخراط الجماعي فيها، فدخلوا كالغزاة بهدف السيطرة على المناصب الحساسة، ولقد حققوا هدفهم بالفعل بعد ما تفرقت القيادة السابقة بانسحاب البعض واعتقال البعض الآخر، فعقدوا مؤتمر باتنة واستولوا على الجبهة، وبعد وقف المسار الانتخابي ودخل الإسلاميون المسلحون السرية وتأسست الجماعة الإسلامية المسلحة وتَقَوَّتْ عملت “الجزأرة” على الانخراط فيها واحتوائها ووصل بعض أفرادها إلى مناصب كبيرة كأمراء مناطق مثلا، وكانوا يريدون تنصيب محمد السعيد أميرا وطنيا عليها، ولما كشف جمال زيتوني الأمير الوطني للجماعة وقتها قتل عدد كبير منهم ومن بينهم محمد السعيد وعبد الرزاق رجام (وهما من قيادات جبهة الإنقاذ التي أفرزها مؤتمر باتنة)”. (انتهى كلام أحمد مراني).
ومعروف أن قيادات “الجزأرة” التي تخطط من الخارج لإختراق الحراك والسيطرة عليه، على غرار الدكتور انور هدام ومراد دهينة وغيرهم، على صلة مباشرة برموز التيار الاسلاماوي الكبيرة في بريطانيا وايطاليا وفرنسا وسويسرا على غرار الدكتور صادق سلام، الكثير الظهور على قنوات المعارضة وحتى على قناة فرانس 24 والذي يكتب في الموقع الفرنسي “موندافريك”، الذي يديره الصحفي نيكولا بو، الصحفي السابق في صحيفة “لوموند” والذي يقود بين الحين والآخر حملات شرسة مدفوعة الثمن ضد الجيش الجزائري.
بقلم: جبريل عبد الواحد