إن مخرجات الاجتماع الاخير لمجلس الوزراء أثبتت مرة أخرى أن هناك إرادة عليا يرعاها السيد رئيس الجمهورية شخصيا لبناء اقتصاد وطني جديد متنوع وقوي، مبني على فتح المجال امام الاستثمار الحقيقي في جميع القطاعات.
ولعل قطاع الثقافة واحدا من القطاعات التي خصها برنامج عمل الحكومة بضرورة تفعيل البعد الاقتصادي فيها، والانتقال من قطاع مستهلك الى قطاع مبدع ومنتج خلاق للثروة.
وقد كانت وزارة الثقافة والفنون بادرت بعدة خطوات واجراءات في هذا المسعى بين سنتي 2020-2021، ورسمت استراتيجية شاركت في تحديد معالمها عدة هيئات وقطاعات وزارية، والتي تهدف الى تطوير:
- صناعة الكتاب.
- الصناعة السينماتوغرافية.
- صناعة السياحة الثقافية.
- صناعة العروض الحية.
وقد تكللت تلك الجهود بعقد منتدى وطني للاقتصاد الثقافي بتاريخ 4-5 افريل 2021، بمشاركة العديد من المؤسسات الفاعلة والناشئة واصحاب الافكار من حاملي مشاريع ستارتاب.
ولتفعيل هذه الاستراتيجية على ارض الميدان تم الشروع في نشر وبناء الفكر المقاولاتي لدى الفاعلين في الحقل الثقافي، وهي المهمة التي أوكلت الى مختلف المؤسسات الثقافية عبر التراب الوطني بعد الاستفادة من تجارب قطاع التعليم العالي والبحث العلمي الذي قطع اشواطا كبيرة في اقامة دار المقاولاتية وحاضنات الاعمال في الوسط الجامعي.
ان هذه الاستراتيجية هي اليوم بحاجة جد ماسة لاعادة بعثها من جديد وتطويرها، خاصة في ظل التوجه الجديد للدولة في تنويع الاقتصاد الوطني، والرؤية الجديدة لقوانين وآليات تفعيل ومتابعة الاستثمار، من خلال فتح نقاش موسع مع الفاعلين الحقيقيين دون اقصاء او تهميش كل في مجاله، من الكتاب والناشرين، والفنانين والمنتجين، والحرفيين والقائمين على المتاحف والمواقع الاثرية، واصحاب الافكار والحاملين للمشاريع التطورية من الشباب وغيرهم، ومختلف الكفاءات والاطارات من داخل قطاع الثقافة وخارجه، للخروج بتوصيات وحلول اجرائية قابلة للتجسيد في ارض الواقع.
ومن دون شك فإن تفعيل هذه الاستراتيجية سيبعث في قطاع الثقافة والفنون الحيوية والابداع، ويساهم في خلق التنمية المستدامة محليا ووطنيا.
فأما بالنسبة لصناعة الكتاب فالجزائر تنفق سنويا ميزانية معتبرة لاقتناء الكتب من السوق الدولية، والغريب في الأمر ان بعضا مما نستورده بالعملة الصعبة هو من ابداع كتاب وباحثين جزائريين، وقد كان من الاجدر التشجيع على النشر محليا وعرضه في السوق الدولية، وبذلك ننتقل من الاستيراد الى التصدير.
اما الصناعة السينماتوغرافية، فالجزائر تمتلك كل المقومات الطبيعية، اذ يمكن للانسان مشاهدة الفصول الأربعة في يوم واحد، بحر وبر، جبال وسهول وصحراء، وهي مقومات قليلا ما تتوفر في البلد الواحد، دون الحديث عن المقومات التاريخية والثقافية والمعالم والمواقع التراثية لتجعل منها قبلة لاستقطاب المنتجين السينمائيين ليس فقط من داخل الوطن وانما ايضا من خارجه.
اما بالنسبة لصناعة السياحة الثقافية فالجزائر تزخر بمقومات ثقافية متنوعة وثرية تتوزع عبر التراب الوطني والكثير منها يشترك مع مقومات جذب سياحي اخرى طبيعية ودينية، تجعل من الجزائر قبلة للسياحة الداخلية والخارجية، ما يدر على البلاد ثروة طائلة، تقدر بملايير الدولار.
صناعة العروض الحية هي الاخرى مجالها واسع، والاقبال عليها كبير، ولها جمهور عريض، يمكن استغلالها في خلق الثروة، بما يسمح بانشاء عدة مؤسسات خاصة في هذا المجال واعطاء فرصة لتنشيط مؤسسات القطاع وتنويع ايراداتها.
مجمل القول ان تفعيل الاقتصاد الثقافي ودعم وتشجيع الاستثمار فيه من دون شك سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال:
- جلب العملة الصعبة.
- خلق العديد من المؤسسات.
- خلق الاف مناصب الشغل.
- المساهمة في التنمية المحلية والوطنية.
- دعم الخزينة العمومية.
- تنويع إيرادات المؤسسات الثقافية خاصة منها المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الصناعي والتجاري.
نأمل ان يستغل قطاع الثقافة والفنون هذه الفرصة ويعمل على التفعيل الميداني لاستراتيجية الاقتصاد الثقافي، ووفق الله الجميع الى خدمة البلاد والعباد.
بقلم : د. عبد القادر دحدوح (المدير العام السابق للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية )