أعلن اليوم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي في كلمة له خلال أشغال الدورة العادية للجنة المركزية للحزب بالعاصمة عن مراجعات عميقة داخل الحزب، مع الكشف على مختلف التحولات التي عرفها الحزب منذ توليه شؤون الأمانة العامة، بما في ذلك العودة الدبلوماسية القوية، كما اعترف الأمين العام بالاختلالات التي يعانيها الحزب والتي تتطلب قرارات حازمة بمشاركة جميع أبناء ومناضلي الأفلان قصد تدارك الوضع.
كما تحدث أبو الفضل بعجي في كلمته عن موقف الحزب من الاستحقاقات الوطنية القادمة، وعن استراتيجيته مستقبلا بالاستثمار في القوة التي تتمتع بها الجبهة على جميع المستويات..
التفاصيل في النص الكامل للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي:
بسم الله الرحمان الرحيم
وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أخواتي إخواني أعضاء اللجنة المركزية،
السيدات والسادة ضيوفنا الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية، اسمحوا لي أن أجدد وقفة الترحم والخشوع أمام أرواح إخواننا الذين فقدناهم في الأيام والأسابيع الماضية، سواء بسبب وباء كورونا، أو بغيره من الأسباب. وبعضهم كان معنا في مثل هذا الاجتماع، وفي هذا المكان بالذات.
إنها إرادة الله جل شأنه، وليس لنا إلا الإيمان والتسليم، وحسبنا أنهم قضوا إلى ربهم شهداء، عرفنا فيهم الالتزام وحسن الخلق، والدفاع عن الحزب والوطن، فنسأل اللهَ لهم الرحمة والمغفرة وأن يتقبلهم في الأبرار والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا..
أخواتي إخواني:
إن استجابتَكم ومشاركَتكم المكثفة في أشغال هذه الدورة العادية للجنة المركزية، وفي ظل هذه الظروف والأوضاع الخاصة التي تعرفها بلادنا، والعالمُ أجمع، جراء انتشار فيروس كوفيد 19، إنما يدل على حسكم النضالي العالي، وشعورِكم بالمسؤوليات الجسام التي تقع علينا في هذه المرحلة الحساسة من حياة حزبِــــنا، وشعبِـــنا، وأمتِـــنا.
وها نحن نلتقي في إطار هيئتنا القيادية العليا بين مؤتمرين، موحَّدين، متعاونين على خدمة حزبنا، والنهوض به، وتحقيق تطلعات المناضلات والمناضلين في القواعد، المتطلعين بشغف عال، وحماس فياض، إلى رؤية حزب جبهة التحرير الوطني وقد استعاد عافيته، واسترجع قواه، ومضى مجددا في تحقيق رسالته الوطنية الخالدة، رسالة الشهداء الأبرار.. والمجاهدين الأخيار أطــــــال الله في أعمارهم، والمنصوص عليها في بيان أول نوفمبر 1954.
وإن استعادةَ تاريخِــــنا الوطني المجيد، والوقوف أمام واجباتنا في صيانة ميراث الشهداء لا يمكن أن يكون أبدا من باب الترفِ الفكري، ولا هروبا من الواقع، ولا تملصا من واجباتنا الحالية، ولا انهزاما أمام تحدياتنا الراهنة، بل هي عودةُ إلى المنبع الصافي لننهل منه معاني التجردِ والتضحيةِ والوفاءِ والإخلاص، وجعلُ القضيةِ الوطنية فوق كل الحسابات والمصالح والولاءات..
أخواتي إخواني :
لقد حرصت منذ أن وشحتموني بثقتكم الغالية في اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 30 ماي 2020، على أن أكون في مستوى هذه الثقة، وعلى قدر هذه المسؤولية الثقيلة التي يجب أن نتشارك في حملِها جميعا، وأصارحكم القول: إنني كنت أرغب في أن تجتمع اللجنة المركزية قبل يومنا هذا، لأن ظروفنا لا تسمح بالتعطيل، وتضييعِ مزيد من الوقت، لكن الأوضاع التي عرفتها بلادنا بسبب انتشار جائحة كورونا فرضت علينا إرجاء هذا الاجتماع إلى حين تحسن الحالة الصحية في المجتمع، ورفع بعض التدابير والإجراءات الوقائية التي فرضتها الدولة حفاظا على الصحة العامة.
نسأل الله أن يرفع عنا هذا الوباء، ويدفع عنا.. وعن بلدنا كل بلاء، إنه سميع مجيب الدعاء..
أخواتي إخواني :
لقد حرصت منذ انتخابي علىفتح أبواب الحزب أمام كل أبنائه وبناته، مهما بلغت بيننا وبينهم الاختلافات، وباعدت بيننا المواقف.
لقد استقبلتآلافالمناضلين والمناضلات. بعضُهم لم يدخلوا مقر حزبنا منذ سنوات طويلة، ولقد كنت معهم صريحا وواضحا، وافقتُـهم في تشخيص بعض الأزمات التي يعرفها حزبنا، وخالفتهم في أخرى، ووضعت، أمامهم جميعا خطا أحمر هو شرعية اللجنة المركزية وسيادتها.
إنني لا أقبل أبدا المساس بهذه اللجنة الموقرة، ولا التعدي على كونهاهيئة سيدة، هي الأعلى بين مؤتمرين، لا يمكن تجاوزها في أي قرار، أو صلاحية، ممنوحة لها بحكم القانون الأساسي للحزب، المصادق عليه في المؤتمر العاشر.
إن قلوبَنا، وأبوابَنا، كانت وستظل مفتوحةً لجميع المناضلات والمناضلين..في القيادة أو في القواعد، ليس بيننا حواجزُ، لا حقيقية ولا وهمية، إلا نصوصُ الحزب وقوانينُــــه، فهي خط أحمر، ليس لأحد أن يتجاوزه، ليس من باب مصادرة الأفكار والحريات، بل صونا لوحدة الحزب، وشرعية مؤسساته وهياكله. والفصلُ في ذلك كله، إنما هو من صلاحية المؤتمرِ، وحده دون سواه.
لقد التقيت الإخوة والأخوات وامناء المحافظات ورؤساء اللجان الانتقالية يوم 27 جوان الماضي لأسمع منهم مباشرة واقع الهياكل المحلية، ونتدارس معا آفاق حزبنا بناء على تقارير ميدانية من المسؤولين المباشرين.
وبشان مساهمة حزبنا في مشروع التعديل الدستوري عملت اللجنة المكلّفة على مستوى الحزب على تلخيص آلاف المساهمات التي وصلت إليها من القواعد حيث تم رفع 101 مقترحا إلى اللجنة المكلّفة برئاسة الجمهورية، يوم 29 جوان، مسّت كل الأبواب والفصول وعكست الثراء الفكري والقانوني الذي يتوفّر عليه حزبنا.
أخواتي…. إخواني:
لقد كانت لي لقاءات أيضا مع أكثر من 350 بين جمعية ونقابة وتنظيم شباني، في مختلف القطاعات والمهن: من الصحة، والثقافة، والتربية، والتعليم، والإدارة المحلية، والشباب والرياضة، وغيرها، بالإضافة إلى منتخبين وأعيان وشيوخ زوايا من مختلف الولايات. ولقد وضعت أمام جميع هؤلاء، عددا من الحقائق التي لا تذكرها وسائل الإعلام، أو تتعمد تزييفها وتحريفها، مثل مسؤوليةِ حزب جبهة التحرير الوطني في المرحلة السابقة، وقراره بشأن الاستحقاق الرئاسي الذي كان مقررا في أفريل 2019، وخياره في رئاسيات 12 ديسمبر 2019، وغيرها من المحطات السياسية التي بسببها يُحمّــــــل حزبُــــنا اليوم ما تنوءُ بحمله الجبال، ويتحمل بسببه المناضلون المخلصــــــون أثقالا، بعضها نتحمله بكل مسؤولية، وأغلبها إنما هو إفك وافتراء.
كما كانت لي لقاءات بمقر الحزب مع رؤساء بعض الأحزاب السياسية، بطلب منهم، للتعرف على وجهة نظر حزب جبهة التحرير الوطني في مختلف القضايا، والشهادة لله أن أغلب من اجتمعتُ معهم كشفوا عن تحليلٍ سياسي متوازن، يرفض شيطنةَ حزبـِنا، مثلما تقوم به بعض الجهات والدوائر التي نعرفها جيدا، ونعرف مخططاتــِها وارتباطاتها المشبوهة، وحرصها على إبعاد حزب جبهة التحرير الوطني من المشهد العام، وفك ارتباطه بالشعب.
وفي ذات السياق، كانت لي عدة لقاءات مع سفراء دول أجنبية، كالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والنمسا وإسبانيا، وفلسطين والصحراء الغربية، وهناك طلباتٌ أخرى لسفراء من أجل زيارة حزبنا، فضلنا تأجليها إلى مابعد اجتماع اللجنة المركزية.
وأريد أن أطلعَــــــكم-أخواتي إخواني-على أنني، وفي جميع لقاءاتي بالسفراء الأجانب، كنت حريصا على تناول ملفي فلسطين والصحراء الغربية، باعتبارهما قضيتيـــن تتعلقان بالتحرر. وأشدد على أن تهاونَ المجتمع الدولي في فرض القانون وتطبيق لوائح الأمم المتحدة لوضع حد لجرائم الكيان الصهيوني الغاشم في فلسطين المحتلة، وممارسات الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية من شأن أن يجعل السلام في العالم بعيد المنال.
وفي مجال تعزيز علاقات التعاون مع الأحزاب الصديقة، شاركتُ في الجلسة الافتراضية للحوار الاستراتيجي بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية في 21 جوان الماضي، وكنا الحزب الوحيد من الجزائر، كما تلقيت دعوة من حزب “روسيا الموحدة” صاحب الأغلبية في البرلمان الروسي للمشاركة في قمة الحوار بين حزب “روسيا الموحدة” والأحزاب النافذة في إفريقيا، والذي سيعقد في منتصف شهر سبتمبر.
إن من ضمن أولياتي في المرحلة القادمة إحياءُ دبلوماسيةِ حزب جبهة التحرير الوطني في الخارج، وإعادة ربط علاقاتنا مع الأحزاب الصديقة والشقيقة في العالم العربي، وإفريقيا، والصين، و روسيا، وأوروبا، وفي أمريكا اللاتينية. لقد كانت صورةُ جبهة التحرير الوطني في الخارج ناصعة لمَّــــــاعة، وصوتُها قويا مسموعا، لكن ويا للأسف: تشوهت الصورةُ، وبحّ الصوت، بعد أن تراجع أداء الحزب، وتخلى عن دوره الخارجي، وبات هــــــــمُّ القيادات والمناضلين، البحثَ عن التوقع في مختلف الاستحقاقات، والتنــــافس على المناصب والامتيازات، واعتبار المهام إلى الخارج بمثابة سفريات للسياحة.
لكني، وبعون من الله تعالى، ودعم منكم أخواتي إخواني، سأعمل على تفعيلِ دبلوماسيةِ حزب جبهة التحرير الوطني، ولدينا من الكفاءات العالية في هذا المجال ما نفتخر به، ولعل ما يشجعنا في هذا المجال، أن المواقف الدبلوماسية للدولة الجزائرية في غاية الشرفِ، والنُبلِ والرجولة، وسنكون إن شاء الله عونا لدولتنا، وقيمةً مضافة في مشروع الجزائر الجديدة التي ستستعيد مكانتها بين الأمم.
أخواتي إخواني:
وباعتبار الأهميةِ المتزايدة للتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، فقد كان هذا المجال من أولوياتي في الأشهر القليلة الماضية، ولا شك أنكم تلاحظون أن صورةَ حزبِ جبهة التحرير الوطني في وسائل الإعلام، التقليدية والحديثة، قد بدأت في التحسن تدريجيا، بعد موجاتٍ من التخوين والتحامل والاستهداف المركز ضد الحزب في المرحلة الماضية.
ولذلك حرصتُ شخصيا على الاهتمام أكثر بهذا الجانب، ولذلك تم عقدُ لقاء لمسؤولي أفواج التواصل الاجتماعي على مستوى المحافظات، يوم 25 جويلية 2020، وقد بذل الإخوة أمناء المحافظات ورؤساء اللجان الانتقالية جهودا جبارة في إنجاح هذا اللقاء، رغم الظروف الصعبة التي عُقد فيها، والذي أسفر عن إعادة بناء شبكة التواصل الاجتماعي داخل الحزب، من خلال تفعيل صفحات الفايسبوك لكل المحافظات، ثم جل القسمات، وربطها جميعا بالصفحة الرسمية لحزب جبهة التحرير الوطني.
أخواتي إخواني:
هذه أولوياتي منذ أن وشحتموني بثقتكم الغالية: لمُّ شمل المناضلينوفتحُ الأبواب، وتعزيز شرعية مؤسسات الحزب، والتفتحُ على القوى الحية في المجتمع، وخاصة الشباب، وتفعيلُ الجانب الدبلوماسي وإحياءُ شبكة علاقات الحزب في الخارج، وتأسيسُ شبكة إعلامية قوية والحضورُ في وسائل الإعلام.
وهنا اسمحوا لي- أخواتي إخواني- أن نتحدث بشيء من المصارحة والمكاشفة:فإذا كنا نتحدث عن استهدافٍ لحزبنا وتآمرٍ علينا لإبعادنا من المشهد العام وتحريضِ الشعب ضدَّنا في إطار مخطط قديم متجدد، فإنه يجب علينا أن نعترف بأن جانبا من الحملة التي نتعرض لها، يجد مبرراتــِه في مواقفَ عددٍ من القيادات السابقة، وخطاباتــِها.
يجب أن نعترف، دون ارتباك ولا تردد، أن حزبنـــا ابتعد كثيرا عن نفسه: أهمل مناضليه، وتخلى عن هياكله، وتجاوز قانونه الأساسي، فكانت الحصيلةُ مرعبة:
حزب يملك الأكثرية عدديا، لكنه لا يتمتع بأي ثقل في الواقع.. لا في المجالس المنتخبة محليا، ولافي البرلمان بغرفتيه، ولا في الحكومة.
حزب يحصي أكثر من نصف مليون مناضل منخرط فعليا: لكنه يأتي بالغرباء والدخلاء والانتهازيين ليحتلوا المراتب الأولى في الترشيحات..
حزب يحصي أكثر من 120 محافظة و أكثر 1700 قسمة لكن خزائنه فارغة، ويظل يعاني في سبيل تأمين رواتب العمال والموظفين؟
ما الذي حدث، حتى أصبح حزب جبهة التحرير الوطنيبهذا الضعف.. وهذه الهشاشة؟؟
لقد صادروا قرارنا.. وأبعدوا كفاءاتنا، وشوهوا سمعتنا.. ولطخوا ماضينا الجميل، وأفسدوا علاقتنا بالشعب..
نعم لقد فعلوا كل هذا..هذه مسؤوليتهم هم.. فماهي مسؤولينا نحن المناضلين.. أبناء حزب جبهة التحرير الوطني؟
لماذا لا يشعر المناضل بالحرج، وهو يتنقل بين شاشات القنوات، وأعمدة الصحف، ينشر مشاكل الحزب، ويخرج أسراره، ويقدح في أعراض إخوانه؟
لماذا يتغذى البعض بالبهتان في حق من يخالفونه الرأي، ويسمح لنفسه بأن يحل محل هياكل الحزب ومؤسساته، فيوزع أوصاف النضال أو الخيانة على من يشاء؟
إن هياكل الحزب، المحلية والمركزية، ومهما أصابها من ضعف وهوان، فإنها تظل قائمة، ويتوجب احترامها، اما تصحيحها وتقويمها فيتم حصريا في ظل الاحترام الكامل للقانون الأساسي وللصلاحيات المخولة لكل الأطراف: لا يمكن أبدا أن نعالج أوضاعا سيئة بقرارات غير شرعية.
إن الشجاعة السياسية والأدبية والحرص على مستقبل حزبنا يفرض علينا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن نمضي إلى مراجعة عميقة، وإعادة تقييم للسياسات والتوجهات التي أدت بنا إلى الوضع الحالي، والهدف ليس تجريم فلان أو علان، بل هو إعادة البناء الفكري والسياسي والتنظيمي، لتمكين حزبنا من القيام بدوره في خدمة الشعب، والدولة، كحزب مستقل، يملك قراره، ويدير مؤسساته في ظل الوعي بالرهانات والتحديات، الداخلية والخارجية والمستقبلية، التي تحيط بالدولة والأمة.
كما أن العمل السياسي مستقبلا يجب أن يسير إلى التنافسية والجدوى، فالاستحقاقات القادمة يتحكم فيها من له قدرةُ الإقناع ببرامجه الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، ولذلك علينا أن نتجه إلى فتح هذه الورشات واستنهاض همم وطاقات خبرائنا وكفاءاتنا العالية في هذه المجالات، كما أنه وفي ظل الانتشار المتزايد للتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، واهتمام الشباب بالعمل السياسي، سيكون للأفكار الجديدة والقدرة على الابتكار والتميز دور مؤثـــر في إدارة وحسم المنافسات الانتخابية مستقبلا..
أخواتي إخواني:
إن بلادنا مقبلة، في القريب العاجل، على جملة من الاستحقاقات الوطنية، ضمن مسعى بناء الجزائر الجديدة، التي تعود فيها اللحمة بين جميع أبنائها، وتسود فيها الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة..التي يجب أن تكون حاملة لتطلعاته، قائمة على مصالحه، ناهضة بطموحاته في رؤيته بلاده تتقدم بين الأمم.
إننا في حزب جبهة التحرير الوطني يجب أن نجعل من هذه الاستحقاقات الوطنية مناسبة للانطلاق في عهد جديد، أساسه أن قرار الحزب بيد أبنائه ومناضليه، ومؤسساته لها كامل السلطة في تقدير الموقف الذي يخدم الحزب، ويلبي تطلعات الشعب.
إن حزبنا أمام امتحان مصيري لإثبات عمقه الاجتماعي، وتجذره الشعبي، وارتباطه بالمواطنين. علينا أن نستغل هذه المواعيد وتحويلها إلى ورشات لتصحيح أخطائنا، وتصويب سياساتنا، وتعديل مناهجنا. لأن الهدف الأسمى الذي يجب أن تتوحد جهودنا حوله هو إعادة بناء حزب جبهة التحرير الوطني وفق ضرورات المرحلة الجديدة، هيكليا وسياسيا ووطنيا وحتى دوليا، من خلال الأخذ بالتجارب الديمقراطية الصاعدة في العالم، وتكييفها مع الخصوصيات الاجتماعية الوطنية، في ظل الالتزام بمرجعية بيان أول نوفمبر 1954.
إننا نعترف أن حزبنا يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه، لن نتشاءم فنقول إنها مرحلة عاصفة، ولن نستسهل فنقول إنها مرحلة عادية، الواقعُ أنها استحقاقات هامة تأتي في مرحلة غير عادية في تاريخ الحزب، والبلاد برمتها، وعلينا أن نكون أكثر يقظة وأشد انتباها لما يحاك في الخفاء،ـ وفي الغرف المظلمة، وفي الخارج، سواء ضد حزبنا، أو ضد بلادنا، وضد مؤسساتها القادمة..
إن التعافي الذي تعرفه الجزائر، بعد استعادة شرعية مؤسساتها، بفضل وعي الشعب ومرافقة الجيش الوطني الشعبي، ويقظة أسلاك الأمن، وتظافر جهود الخيرين في كل المواقع، قد فوت على المتآمرين والمتربصينببلادنا فرصة استهداف أمنها واستقرارها، لكن هؤلاء الكائدين، والحاقدين، والظلاميين، لم.. ولن يهدأ لهم بال حتى يروا مكائدهم تتحقق، في دفع الجزائر نحو المجهول، وهو الأمر الذي لن يحدث أبدا بإذن الله تعالى، ثم بفضل إرادة الرجال المخلصين، في كل المؤسسات، ووعي الجزائريات والجزائريين، الذين قد يختلفون وتتباين مواقفهم، لكنهم لن يقبلوا أبدا المساس بأمن الجزائر واستقرارها، ووحدة شعبها، وسلامة ترابها..
إن بعض الأحداث التي وقعت في الأسابيع الماضية تدفع للريبة، وتثير الشبهات، فحرائق الغابات والانقطاعات المسجلة في شبكات الكهرباء ومياه الشرب، ونقص السيولة في مراكز البريــــد، ومحاولة خلق مشاكل على حدودنا الجنوبية، وغيرها من الأحداث، إنما تندرج ضمن مخطط لضرب الجزائر وتعطيل جهود رئيس الجمهورية، وهو ما يستدعي منا الانتباه واليقظة أكثر من أي وقت مضى. والحمد لله أن السلطات العليا وعلى رأسها السيد الرئيس عبد المجيد تبون، قد سارعت إلى التصديلهذه الأحداث، بكل حزم ومسؤولية، وأمرت بالتحقيق لكشف جميع ملابساتها.
كما أن التشكيك في جهود الدولة، باستمرار، والتقليل من المكاسب المحققة لا يبتعد كثيرا عن أجندة أصحاب الحملات المشبوهة التي يسوءها قيام جزائر جديدة، يتساوى فيها الجميع أمام القانون.. وتقف فيها مؤسسات الدولة على مسافة واحدة من جميع المواطنين.
إن ما بذلته السلطات العمومية، بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية، في تسيير أزمة جائحة كورونا يجب أن يكون مصدر فخر لجميع الجزائريين، سواء تعلق الأمر بتوفير وسائل الوقاية، أو بتوسعة القيام بالتحاليل، أوباستشفاء أصحاب الحالات العاجلة، أو غيرها، والشكر والتقدير يعود، في المقام الأول، لرجال ونساء قطاع الصحة، أطباء وممرضين وعمالا ومسيرين، والذين بذلوا أروع نماذج التضحية والتجرد والالتزام، ودفعوا قافلة من الشهداء، الذين ضحوا بأنفسهم في المعركة ضد وبــــــــاء كورونا..كما تجدر الإشارة والتنويه إلى دور الجيش الوطني الشعبي في دعم جهود السلطات في المساعدة على التصدي لانتشار لهذا الوباء.
أخواتي.. إخواني:
إن اهتماماتــــِنا الداخلية، وانشغالنا بإعادة بناء حزبنا، وخوض مختلف الإستحقاقات بما فيها المؤتمر الحادي عشر لن ينسينا أبدا نصرة القضايا الإنسانية العادلة، ونضالات الشعوب من أجل التحرر والاستقلال، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، تحت أي مبرر.
إن مواقف حزبنا، منسجمة تماما مع مواقف الدولة الجزائرية، فيما يتعلق بنصرة الشعب الفلسطيني ودعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفق لوائح الشرعية الدولية، ولن نتراجع عن هذه المواقف المشرفة، بل سنظل أوفياء لعهود الشرف والوفاء التي تُعرف بها جبهة التحرير الوطني.
أخواتي..إخواني..
إن المرحلةَ القادمةَ صعبة، وبالغة الحساسة، لكننا سنجتازها بالتضامن والوحدة، والتماسك، والتفاني لما فيه صالح حزبنا، وصالح الجزائر الغالية وشعبها الأبي.
تحيا الجزائر
عاش حزب جبهة التحرير الوطني
المجد والخلود للشهداء الأبرار
شكرا لكم على كرم الإصغاء..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته