منذ ظهور جائحة كوفيد 19 (Covid 19) بمدينة “ووهان” الصينية أواخر ديسمبر 2019 والارتدادات على الاقتصاد العالمي مُتتالية، فمع انتقال بؤرة وباء كورونا إلى أوروبا ثمّ الولايات المتحدة وأمام غياب تطوير العلاجات واللقاحات لم تجد بلدان العالم من حل سوى تطبيق عمليات الحجر الصحي الضرورية وممارسة التباعد الاجتماعي لاحتواء الوباء وتفادي انتشاره، ما نتج عن ذلك “إغلاق عام كبير” مما أعقب ذلك انهيار في النشاط بحجم وسرعة نتج عنهما توقف شبه كلي للاقتصاد العالمي بعد كانت اتجاهات مؤشراته قبل هذا الوضع تشير إلى توقع معدل نمو لسنة 2020 بنسبة %2,9 مع نسبة نمو مريحة في بعض البلدان كالصين بنسبة %6,1 ومتوسط في غالبية البلدان الصّناعية، فأضحى من المنتظر أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة %3- هذا العام هبوطا من %6,3 خلال شهر جانفي من سنة 2020.
“العالم في مواجهة أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد الكبير”
في مقابل ذلك يُنبئ صندوق النقد الدولي إلى حالة انكماش اقتصاديات البلدان في أنحاء العالم بأسرع وتيرة منذ عقود ومشيرا إلى أنّ الوضع قد يُصبح الأسوأ منذ “الكساد الكبير” في ثلاثينات القرن الماضي مع الأزمة المالية العالمية.
وقد صرّحت مديرة إدارة البحوث في الصندوق “غيتا غوبيناث” على أنّ الأزمة قد تُقلص إجمالي الناتج المحلي العالمي بحوالي 9 تريليونات دولار خلال العامين المقبلين، وعلى أنّه من المتوقع حدوث تعاف خلال نهاية سنة 2021، ومع ذلك فإنّ مستوى إجمالي الناتج المحلي سيظل أدنى من معدله قبل حدوث الوباء، كما تتوقع أن تتعرض الاقتصاديات المتقدمة والنامية لدخول فترة ركود لم يَشهدها العالم منذ الكساد الكبير (عن مدونات صندوق النقد الدولي).
وفيما يخص قيمة التجارة الخارجية للدول العربية فمن المتوقع حسب نفس المصدر أن النسبة ستكون بشكل كبير في 2020 بسبب الانهيار الحاصل في أسعار النفط، على اعتبار أنّ هذا المورد يمثل قرابة 64% من إجمالي الصادرات العربية مما يترتب عن ذلك انعكاسات سلبية على أداء التجارة البينية العربية.
وقد وضع صندوق النقد الدولي أربع أولويات للتعامل مع الوباء؛ حيث دعا إلى المزيد من الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية، وإلى تخصيص الدعم المالي للعمال والشركات وكذا مواصلة دعم البنوك المركزية، وعلى الاجتهاد كل بمقدراته على وضع خطّة خروج من الأزمة تهدف إلى التعافي الاقتصادي لكل دولة.
البروفيسور عبد القادر هدير : “الفرصة مواتية للانتقال إلى اقتصاد المعرفة والاستثمار في العنصر البشري”
وعن الارتدادات التي تواجه الاقتصاد الجزائري، يرى البروفيسور “عبد القادر هدير” أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر ومدير “مدرسة الدراسات العليا التجارية” على أنّ “انعكاسات جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني كانت بالدرجة الأولى على الأعمال الحرّة وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين تضرروا بشكل كبير، فعجلة الاقتصاد تقريبا شبه متوقفة وهذا له آثار ستمتر حتى على المدى المتوسط، في حين فإن الأثر الكبير المترتب عن كساد النشاط هو التراجع الرهيب الذي عرفته أسعار النفط، هذا أثر مباشر على حجم الانفاق وأيضا المشاريع التنموية التي تم إطلاقها وأدى أيضا إلى تراجع احتياطي الصرف لاعتمادنا بشكل كبير على الاستيراد، وإذا استمر الأمر على حاله ستكون نتائجه وخيمة… ولكن في رأيي هذا درس علينا أن نتعلم منه كيفية الاعتماد على قطاعات خارج المحروقات كالفلاحة والعمل، وعلى تحقيق أمننا الغذائي والصحي الذي هو أساس الأمن الاجتماعي، ونرى أنّ الفرصة مواتية الآن للانتقال من الاقتصاد الكلاسيكي إلى اقتصاد مبني على المعرفة والاستثمار في العنصر البشري الكفؤ، وعلينا التوجه للاستثمار في ما هو موجود واستغلاله أحسن استغلال”.
الدكتور عبد الرحمان مساهل : “ضرورة إطلاق برنامج ومخطط استعجالي فلاحي كبير لضمان الأمن الغذائي”
وفي إطار السيناريوهات المفتوحة لأزمة كورونا وعن الانتقال إلى الأداء الطبيعي للنشاط الاقتصادي في الجزائر، يوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور “عبد الرحمان مساهل” أنّ “انعكاس هذا الفيروس سيكون حتما سلبيا اقتصاديا كبقية الدول التي مسها، ورأينا ذلك جليا في بنود قانون المالية التكميلي لسنة 2020 خاصة في رفض التجميد عن مشاريع عمومية، وتخفيض نفقات التسيير العمومي من %30 إلى %50… إلخ.، إضافة إلى ذلك فثلاثة أشهر من توقف النشاط في أغلب الأنشطة الاقتصادية سواء في القطاع الرسمي وغير الرسمي سوف تكون له تكاليف التوقف وتكاليف تعويض المتضرّرين، وتكاليف نقص التموين بالسلع والخدمات الضرورية التي سوف يظهر أثرها خاصة إذا استمر الحال لأشهر أخرى…”.
وحول النمو والتذبذب بين الايرادات والنفقات فيرى “أنّ الجزائر قد دخلت إلى مرحلة الخطر رغم تطمينات الحكومة، لكن قد يكون هناك انفراج جزئي ربما إذا استمر ارتفاع سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد وتم الخروج من هذه الجائحة التي لا يمكن التكهن بانتهائها”.
وعن العلاقة بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيؤكّد على أنّ “الحالة الاقتصادية الصعبة تنعكس سلبيا على الجوانب الاجتماعية للمواطنين، فالإجراءات الاحترازية والصحية وتخفيض النفقات وميزانية الكثير من القطاعات العمومية قد يؤثر على التشغيل والاستهلاك والاستثمار وحتى الإنتاج بنسب متفاوتة”، كما أشار إلى أنّ “المخزون الاستراتيجي للغذاء سيكفي فقط لمطلع 2020 حسب تصريح لأحد وزراء الحكومة، في ظلّ تأثر التجارة الدولية للمنتجات الغذائية بالخصوص، وإمكانية التحاق دول مصدرة للقمح والمواد الغذائية أخرى بروسيا التي أكدت تقارير إعلامية مؤخرا أنها سوف تمنع تصدير المواد والسلع الغذائية والزراعة، من هنا نقترح إطلاق برنامج ومخطط استعجالي فلاحي كبير، على الأقل لضمان الأمن الغذائي وتوفير الاحتياجات الأساسية الضرورية للسكان في هذا الظرف العصيب”.
أخبار دزاير: بوبكر سكيني